للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٦]

فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣)

كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)

عَنِ التَّذْكِرَةِ عن التذكير وهو العظة، يريد: القرآن أو غيره من المواعظ.

ومُعْرِضِينَ نصب على الحال، كقولك: مالك قائما. والمستنفرة: الشديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها في جمعها له وحملها عليه «١» . وقرئ بالفتح: وهي المنفرة المحمولة على النفار: والقسورة: جماعة الرماة الذين يتصيدونها. وقيل: الأسد. يقال: ليوث قساور وهي فعولة من القسر: وهو القهر والغلبة، وفي وزنه «الحيدرة» من أسماء الأسد. وعن ابن عباس: ركز الناس وأصواتهم. وعن عكرمة: ظلمة الليل، شبههم في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر والموعظة وشرادهم عنه، بحمر جدت في نفارها مما أفزعها. وفي تشبيههم بالحمر:

مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين، كما في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل. ولا ترى مثل نفار حمير الوحش واطرادها في العدو إذا رابها رائب، ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل وشدّة سيرها بالحمر، وعدوها إذا وردت ماء فأحست عليه بقانص صُحُفاً مُنَشَّرَةً قراطيس تنشر وتقرأ كالكتب التي يتكاتب بها. أو كتبا كتبت في السماء ونزلت بها الملائكة ساعة كتبت منشرة على أيديها غضة رطبة لم تطو بعد، وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لن نتبعك حتى تأتى كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها من رب العالمين إلى فلان بن فلان، نؤمر فيها باتباعك. ونحوه قوله وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ وقال: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ … الآية وقيل: قالوا إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار. وقيل: كانوا يقولون: بلغنا أن الرجل من بنى إسرائيل كان يصبح مكتوبا على رأسه ذنبه وكفارته، فأتنا بمثل ذلك، وهذا من الصحف المنشرة بمعزل. إلا أن براد بالصحف المنشرة:

الكتابات الظاهرة المكشوفة. وقرأ سعيد بن جبير: صحفا منشرة بتخفيفهما، على أن أنشر الصحف ونشرها: واحد، كأنزله ونزله. ردعهم بقوله كَلَّا عن تلك الإرادة، وزجرهم عن اقتراح الآيات، ثم قال بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء


(١) . قوله «في جمعها له وحملها عليه» متعلق بكأنها، لأنه وجه الشبه. (ع)