فعلهم في كونهم محلين تارة ومحرّمين أخرى ووجه آخر: وهو أنّ موسى عليه السلام أمرهم أن يجعلوا في الأسبوع يوما للعبادة وأن يكون يوم الجمعة، فأبوا عليه وقالوا: نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السموات والأرض وهو السبت، إلا شر ذمة منهم قد رضوا بالجمعة، فهذا اختلافهم في السبت لأن بعضهم اختاره وبعضهم اختار عليه الجمعة، فأذن الله لهم في السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فيه، فأطاع أمر الله الراضون بالجمعة، فكانوا لا يصيدون فيه، وأعقابهم لم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله دون أولئك، وهو يحكم بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فيجازى كل واحد من الفريقين بما يستوجبه. ومعنى جعل السبت: فرض عليهم تعظيمه وترك الاصطياد فيه. وقرئ: إنما جعل السبت، على البناء للفاعل. وقرأ عبد الله: إنا أنزلنا السبت.
إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ إلى الإسلام بِالْحِكْمَةِ بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها. ويجوز أن يريد القرآن، أى: ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين، من غير فظاظة ولا تعنيف إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة، ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل، وكأنك تضرب منه في حديد بارد.
سمى الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة. والمعنى: إن صنع بكم صنيع سوء من قتل أو نحوه، فقابلوه بمثله ولا تزيدوا عليه. وقرئ: وإن عقبتم فعقبوا، أى: وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم.
روى أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد: بقروا بطونهم وقطعوا مذاكيرهم، ما تركوا أحداً غير ممثول به إلا حنظلة بن الراهب، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مثل به، وروى: