للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«فعل» بمعنى مفعول، يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث. تقول: هذه ولدى، وهؤلاء ولدى. فإن قلت: أَصْطَفَى الْبَناتِ بفتح الهمزة: استفهام على طريق الإنكار والاستبعاد، فكيف صحت قراءة أبى جعفر بكسر الهمزة على الإثبات؟ قلت: جعله من كلام الكفرة بدلا عن قولهم وَلَدَ اللَّهُ وقد قرأ بها حمزة والأعمش رضى الله عنهما. وهذه القراءة- وإن كان هذا محملها- فهي ضعيفة، والذي أضعفها: أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ فمن جعلها للإثبات، فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين. وقرئ تذكرون، من ذكر أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ أى حجة نزلت عليكم من السماء وخبر بأن الملائكة بنات الله فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ

الذي أنزل عليكم في ذلك، كقوله تعالى أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم، وإنكار فظيع، واستبعاد لأقاويلهم شديد، وما الأساليب التي وردت عليها إلا ناطقة بتسفيه أحلام قريش، وتجهيل نفوسها، واستركاك عقولها، مع استهزاء وتهكم وتعجيب، من أن يخطر مخطر مثل ذلك على بال ويحدّث به نفسا، فضلا أن يجعله معتقدا ويتظاهر به مذهبا.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٥٨ الى ١٦٠]

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)

وَجَعَلُوا بين الله وبين الجنة وأراد الملائكة نَسَباً وهو زعمهم أنهم بناته، والمعنى:

وجعلوا بما قالوا نسبة بين الله وبينهم، وأثبتوا له بذلك جنسية جامعة له وللملائكة. فإن قلت:

لم سمى الملائكة جنة؟ قلت: قالوا الجنس واحد، ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شرا كله فهو شيطان، ومن طهر منهم ونسك وكان خيرا كله فهو ملك، فذكرهم في هذا الموضع باسم جنسهم، وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعا منهم وتقصيرا بهم. وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم. وفيه إشارة إلى أن من صفته الاجتنان والاستتار، وهو من صفات الأجرام لا يصلح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك. ومثاله: أن تسوّى بين الملك وبين بعض خواصه ومقرّبيه، فيقول لك: أتسوّي بيني وبين عبدى. وإذا ذكره في غير هذا المقام وقره وكناه. والضمير في إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ للكفرة. والمعنى: أنهم يقولون ما يقولون في الملائكة، وقد علم الملائكة أنهم في ذلك كاذبون مفترون، وأنهم محضرون النار معذبون بما يقولون، والمراد المبالغة في التكذيب. حيث أضيف إلى علم الذين ادّعوا لهم تلك النسبة.

وقيل: قالوا إنّ الله صاهر الجن فخرجت الملائكة. وقيل: قالوا. إنّ الله والشيطان أخوان.