على البناء للفاعل والفعل لله عزّ وجلّ، دلّ عليه قوله إِلى إِلهِ مُوسى وصدّ، بفتح الصاد وضمها وكسرها، على نقل حركة العين إلى الفاء، كما قيل: قيل. والتباب الخسران والهلاك.
قال أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ فأجمل لهم، ثم فسر فافتتح بذم لدنيا وتصغير شأنها، لأنّ الإخلاد إليها هو أصل الشر كله، ومنه يتشعب جميع ما يؤدى إلى سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة. وثنى بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن والمستقر، وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما، ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف، ثم وازن بين الدعوتين: دعوة إلى دين الله الذي ثمرته النجاة، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، وحذر، وأنذر، واجتهد في ذلك واحتشد، لا جرم أن الله استثناه من آل فرعون، وجعله حجة عليهم وعبرة للمعتبرين، وهو قوله تعالى فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ وفي هذا أيضا دليل بين على أنّ الرجل كان من آل فرعون. والرشاد نقيض الغى. وفيه تعريض شبيه بالتصريح أنّ ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغى.
فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها لأنّ الزيادة على مقدار جزاء السيئة قبيحة، لأنها ظلم. وأما الزيادة على مقدار جزاء الحسنة فحسنة، لأنها فضل. قرئ: يدخلون ويدخلون بِغَيْرِ حِسابٍ واقع في مقابلة إلا مثلها، يعنى: أن جزاء السيئة لها حساب وتقدير، لئلا يزيد على الاستحقاق، فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير وحساب، بل ما شئت من الزيادة على الحق والكثرة والسعة
فإن قلت: لم كرر نداء قومه؟ ولم جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني؟ قلت: أما تكرير النداء ففيه زيادة تنبيه لهم وإيقاظ عن سنة الغفلة. وفيه: أنهم قومه وعشيرته وهم فيما يوبقهم،