كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين، يريدون أن يغيظوهم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادوا لمثل فعلهم، وكان تناجيهم بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته. وقرئ: ينتجون بالإثم والعدوان، بكسر العين، ومعصيات الرسول حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ يعنى أنهم يقولون في تحيتك:
السام عليك يا محمد والسام: الموت، والله تعالى يقول وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ويا أَيُّهَا الرَّسُولُ ويا أَيُّهَا النَّبِيُّ: لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ كانوا يقولون: ما له إن كان نبيا لا يدعو علينا حتى يعذبنا الله بما نقول، فقال الله تعالى حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ عذابا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب للمنافقين الذين آمنوا بألسنتهم. ويجوز أن يكون للمؤمنين، أى: إذا تناجيتم فلا تتشبهوا بأولئك في تناجيهم بالشر وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فإنّ ذلك يحزنه»«١»
وروى «دون الثالث» . وقرئ فلا تناجوا. وعن ابن مسعود: إذا انتجيتم فلا تنتجوا إِنَّمَا النَّجْوى اللام إشارة إلى النجوى بالإثم والعدوان، بدليل قوله تعالى لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا والمعنى: أنّ الشيطان يزينها لهم، فكأنها منه ليغيظ الذين آمنوا ويحزنهم وَلَيْسَ الشيطان أو الحزن بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. فإن قلت: كيف لا يضرهم الشيطان أو الحزن إلا بإذن الله؟ قلت: كانوا يوهمون المؤمنين في نجواهم وتغامزهم أن غزاتهم غلبوا وأنّ أقاربهم قتلوا، فقال: لا يضرهم الشيطان أو الحزن بذلك الموهم إلا بإذن الله، أى: بمشيئته، وهو أن يقضى الموت على أقاربهم أو الغلبة على الغزاة. وقرئ: ليحزن، وليحزن.
(١) . متفق عليه وهذا اللفظ لمسلم من حديث ابن مسعود. وقوله: «وروى دون الثالث» هذا اللفظ البخاري «فائدة» أخرج البزار من حديث ابن عمر نحوه- وزاد «إلا باذنه» قلت: فان كانوا أربعة؟ قال: لا بأس به» .