لا مدخل فيه للشك، وهو أنى لا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون من هو إلهكم وخالقكم وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وإنما وصفه بالتوفى، ليريهم أنه الحقيق بأن يخاف ويتقى، فيعبد دون مالا يقدر على شيء وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعنى أنّ الله أمرنى بذلك، بما ركب فىّ من العقل، وبما أوحى إلىّ في كتابه. وقيل: معناه إن كنتم في شك من دينى ومما أنا عليه- أثبت عليه أم أتركه وأوافقكم- فلا تحدّثوا أنفسكم بالمحال ولا تشكوا في أمرى، واقطعوا غنى أطماعكم، واعلموا أنى لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، ولا أختار الضلالة على الهدى، كقوله قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أصله:
بأن أكون، فحذف الجار، وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذف الحروف الجارّة مع «إن» و «أن» . وأن يكون من الحذف غير المطرد، وهو قوله: أمرتك الخير فاصدع بما تؤمر.
فإن قلت، عطفُ قوله وَأَنْ أَقِمْ على أَنْ أَكُونَ فيه إشكال، لأنّ «أن» لا تخلو من أن تكون التي للعبارة، أو التي تكون مع الفعل في تأويل المصدر، فلا يصح أن تكون للعبارة وإن كان الأمر مما يتضمن معنى القول، لأنّ عطفها على الموصولة يأبى ذلك. والقول بكونها موصولة مثل الأولى، لا يساعد عليه لفظ الأمر، وهو أَقِمْ لأنّ الصلة حقها أن تكون جملة تحتمل الصدق والكذب. قلت: قد سوّغ سيبويه أن توصل «أن» بالأمر والنهى، وشبه ذلك بقولهم:
أنت الذي تفعل، على الخطاب، لأنّ الغرض وصلها بما تكون معه في معنى المصدر. والأمر والنهى دالان على المصدر دلالة غيرهما من الأفعال أَقِمْ وَجْهَكَ استقم إليه ولا تلتفت يميناً ولا شمالا. وحَنِيفاً حال من الدين، أو من الوجه.
[[سورة يونس (١٠) : آية ١٠٦]]
وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦)
فَإِنْ فَعَلْتَ معناه: فإن دعوت من دون الله مالا ينفعك ولا يضرّك، فكنى عنه بالفعل إيجازاً فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ إذاً جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدّر، كأنّ سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان. وجعل من الظالمين، لأنه لا ظلم أعظم من الشرك، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.