للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للَّه وحده لم أجعل فيها لغيره شركا بأن أعبده وأدعوه إلها معه يعنى أن دينى التوحيد وهو الدين القديم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي، وما جئت بشيء بديع حتى تجادلونى فيه. ونحوه (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) فهو دفع للمحاجة بأن ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو حق اليقين الذي لا لبس فيه فما معنى المحاجة فيه؟ وَمَنِ اتَّبَعَنِ عطف على التاء في أسلمت وحسن للفاصل. ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع فيكون مفعولا معه وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من اليهود والنصارى وَالْأُمِّيِّينَ والذين لا كتاب لهم من مشركي العرب أَأَسْلَمْتُمْ يعنى أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضى حصوله لا محالة فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلا سلكته: هل فهمتها لا أم لك، ومنه قوله عزّ وعلا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر. وفي هذا الاستفهام استقصار «١» وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق، وللمعاندة بعد تجلى الحجة ما يضرب أسداداً بينه وبين الإذعان «٢» ، وكذلك في: هل فهمتها؟ توبيخ بالبلادة وكلة القريحة. وفي: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)

بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطى المنهي عنه فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا فقد نفعوا أنفسهم حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى ومن الظلمة إلى النور وَإِنْ تَوَلَّوْا لم يضروك فإنك رسول منبه عليك أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢١ الى ٢٢]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)

قرأ الحسن: يقتلون النبيين. وقرأ حمزة: ويقاتلون الذين يأمرون. وقرأ عبد اللَّه: وقاتلوا وقرأ أبىّ. يقتلون النبيين، والذين يأمرون. وهم أهل الكتاب. قتل أولوهم الأنبياء وقتلوا أتباعهم وهم راضون بما فعلوا، وكانوا حول قتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين لولا عصمة اللَّه. وعن أبى عبيدة بن الجراح: قلت يا رسول اللَّه، أى الناس أشدّ عذابا يوم القيامة؟ قال:

«رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف ونهى عن منكر» ثم قرأها ثم قال: «يا أبا عبيدة، قتلت


(١) . قوله «وفي هذا الاستفهام استقصار» أى عد المخاطب قاصراً. (ع)
(٢) . قوله «يضرب أسداد بينه وبين الإذعان» لعله أسدادا، أى حجبا. (ع)