للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقتبس محاسن الآداب، كما يحكى عن أبى عبيد- ومكانه من العلم والزهد وثقة الرواية ما لا يخفى- أنه قال: ما دققت بابا على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه أَنَّهُمْ صَبَرُوا في موضع الرفع على الفاعلية، لأنّ المعنى: ولو ثبت صبرهم. والصبر: حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها. قال الله تعالى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ وقولهم: صبر عن كذا، محذوف منه المفعول، وهو النفس، وهو حبس فيه شدّة ومشقة على المحبوس، فلهذا قيل للحبس على اليمين أو القتل: صبر. وفي كلام بعضهم: الصبر مرّ لا يتجرّعه إلا حرّ. فإن قلت:

هل من فرق بين حَتَّى تَخْرُجَ وإلى أن تخرج؟ قلت: إنّ «حتى» مختصة بالغاية المضروبة.

تقول: أكلت السمكة حتى رأسها، ولو قلت: حتى نصفها، أو صدرها: لم يجز، و «إلى» عامّة في كل غاية، فقد أفادت «حتى» بوضعها: أنّ خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم غاية قد ضربت لصبرهم، فما كان لهم أن يقطعوا أمرا دون الانتهاء إليه. فإن قلت: فأى فائدة في قوله إِلَيْهِمْ؟ قلت: فيه أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم، للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أنّ خروجه إليهم لَكانَ خَيْراً لَهُمْ في «كان» إما ضمير فاعل الفعل المضمر بعد لو، وإما ضمير مصدر صَبَرُوا، كقولهم: من كذب كان شرا له وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ بليغ الغفران والرحمة واسعهما، فلن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤلاء إن تابوا وأنابوا.

[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ٦ الى ٨]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمّه- وهو الذي ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص، فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا، ثم قال: هل أزيدكم، فعزله عثمان «١» عنهم- مصدّقا إلى بنى المصطلق، وكانت بينه وبينهم إحقة، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له، فحسبهم مقاتليه، فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:


(١) . أخرجه مسلم من طريق أبى ساسان حصين بن منذر قال شهدت عثمان أخى الوليد بن عقبة وقد صلى الغداة بالكوفة أربعا- الحديث بطوله» وأخرجه ابن إسحاق والنسائي من هذا الوجه وقالوا فيه «وقد صلى للغداة أربعا»