للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو دليل على العجمة، لأن أفعيل- بفتح الهمزة- عديم في أوزان العرب. فإن قلت: لم قيل (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) «١» (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ؟ قلت: لأن القرآن نزل منجماً، ونزل الكتابان جملة. وقرأ الأعمش: نزَل عليك الكتابُ بالتخفيف ورفع الكتاب هُدىً لِلنَّاسِ أى لقوم موسى وعيسى. وقال نحن متعبدون بشرائع من قبلنا فسره على العموم. فإن قلت: ما المراد بالفرقان؟

قلت: جنس الكتب السماوية «٢» ، لأن كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل، أو الكتب التي ذكرها، كأنه قال بعد ذكر الكتب الثلاثة: وأنزل ما يفرق به بين الحق والباطل من كتبه، أو من هذه الكتب، أو أراد الكتاب الرابع وهو الزبور، كما قال: (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) وهو ظاهر.

أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح من كونه فارقاً بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس، تعظيما لشأنه وإظهاراً لفضله بِآياتِ اللَّهِ من كتبه المنزلة وغيرها ذُو انْتِقامٍ له انتقام شديد «٣» لا يقدر على مثله منتقم.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥ الى ٦]

إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)

لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ في العالم فعبر عنه بالسماء والأرض، فهو مطلع على كفر من كفر وإيمان من آمن، وهو مجازيهم عليه كَيْفَ يَشاءُ من الصور المختلفة المتفاوتة. وقرأ طاوس: تصوّركم،


(١) . قال محمود: «فان قلت: لم قيل في القرآن نزل … الخ» قال أحمد: يريد لأن «فعل» صيغة مبالغة وتكثير، فلما كان نزول القرآن منجما كان أكثر تنزيلا من غيره لتفرقه في مرار عديدة، فعبر عنه بصيغة مطابقة لكثرة تنزيلاته، وعبر عن الكتابين بصيغة خلية عن المبالغة والتكثير واللَّه أعلم.
(٢) . (عاد كلامه) قال: والفرقان يحتمل أن يراد به جميع الكتب السماوية لأنها تفرق بين الحق والباطل، أو الكتب التي ذكرها أو أراد الكتاب الرابع وهو الزبور. كما أفرده وأخر ذكره في قوله: (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح من كونه فارقا بين الحق والباطل، بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيما لشأنه وإظهارا لفضله واللَّه أعلم. قال أحمد: وقد جعل الزمخشري سر التعبير عن نزول القرآن بصيغة «فعل» تفريقه في التنزيل كما تقدم آنفا، ثم حمل الفرقان على أحد تأويلاته على القرآن والتعبير عنه بأفعل كغيره، فان يكن هذا- واللَّه أعلم- فالوجه أنه لما عبر أولا عن نزوله الخاص به، أتى بعبارة مطابقة لقصد الخصوصية، فلما جرى ذكره ثانيا لينعت بصفة زائدة على اسم الجنس» عبر عن نزوله من حيث الإطلاق اكتفاء بتميزه أولا وإجمالا لذلك في غير مقصوده، ومن العبارة السائرة عن هذا المعنى: الكلام يجمل في غير مقصوده، ويفصل في مقصوده.
(٣) . قال محمود: «معناه له انتقام شديد … الخ» . قال أحمد: وإنما يلقى هذا التفخيم من التنكير وهو من علاماته مثله في قوله: (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) .