للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا على طريقة قولهم: جدّ جدّه. والألم في الحقيقة للمؤلم كما أنّ الجدّ للجادّ.

والمراد بكذبهم قولهم آمنا باللَّه وباليوم الآخر. وفيه رمز إلى قبح الكذب وسماجته، وتخييل أن العذاب الأليم لاحق بهم من أجل كذبهم. ونحوه قوله تعالى: (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) والقوم كفرة. وإنما خصت الخطيئات استعظاما لها وتنفيرا عن ارتكابها.

والكذب: الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو به وهو قبيح كله. وأما ما يروى عن إبراهيم عليه السلام أنه كذب ثلاث كذبات «١» . فالمراد التعريض. ولكن لما كانت صورته صورة الكذب سمى به. وعن أبى بكر رضى اللَّه عنه وروى مرفوعا: «إياكم والكذب فإنه مجانب للإيمان» «٢» وقرئ يكذبون، من كذبه الذي هو نقيض صدقه أو من كذّب الذي هو مبالغة في كذب، كما بولغ في صدق فقيل: صدّق. ونظيرهما: بان الشيء وبين، وقلص الثوب وقلص. أو بمعنى الكثرة كقولهم: موتت البهائم، وبركت الإبل، أو من قولهم: كذب الوحشي إذا جرى شوطا ثم وقف لينظر ما وراءه لأن المنافق متوقف متردّد في أمره، ولذلك قيل له مذبذب. وقال عليه السلام: «مثل المنافق كمثل الشاة «٣» العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١ الى ١٦]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)

أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)


(١) . متفق عليه واللفظ للبخاري من رواية ابن سيرين، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه رفعه «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: اثنتين منهن في ذات اللَّه عز وجل» الحديث. وأخرجه الترمذي في تفسير الأنبياء، من طريق أبى الزناد عن الأعرج عنه.
(٢) . روى مرفوعا وموقوفا على أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه. أما المرفوع فأخرجه ابن عدى من طريق إسماعيل بن أبى خالد عن قيس عنه. قال الدارقطني في العلل: رفعه يحيى بن عبد الملك وجعفر الأحمر وعمر بن ثابت عن إسماعيل. ووقفه غيرهم وهو أصح. ويروى عن أبى أسامة ويزيد بن هرون عنه أيضا مرفوعا. ولا يثبت عنهما اه. وأما الموقوف فأخرجه أحمد وابن أبى شيبة في الأدب كلاهما عن وكيع عن إسماعيل وابن المبارك في الزهد عن إسماعيل كذلك. ولم يجد الطيبي المرفوع فأخرج بدله عن صفوان بن سليم. قيل: يا رسول اللَّه والمؤمن يكون جبانا؟ قال: نعم. يكون بخيلا؟ قال: نعم. يكون كذاباً؟ قال: لا. أخرجه مالك وهو مرسل.
(٣) . أخرجه مسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما: قوله تعير بمهملة أى تتردد.