قرئ لِسَبَإٍ بالصرف ومنعه، وقلب الهمزة ألفا. ومكنهم: بفتح الكاف وكسرها، وهو موضع سكناهم، وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها، أو مسكن كل واحد منهم.
وقرئ: مساكنهم. وجَنَّتانِ بدل من آية. أو خبر مبتدإ محذوف، تقديره: الآية جنتان.
وفي الرفع معنى المدح، تدل عليه قراءة من قرأ: جنتين، بالنصب على المدح. فإن قلت: ما معنى كونهما آية؟ قلت: لم يجعل الجنتين في أنفسهما آية، وإنما جعل قصتهما، وأنّ أهلهما أعرضوا عن شكر الله تعالى عليهما فخربهما، وأبدلهم عنهما لخمط والأثل: آية، وعبرة لهم، ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط النعم. ويجوز أن تجعلهما آية، أى:
علامة دالة على الله، وعلى قدرته وإحسانه ووجوب شكره فإن قلت: كيف عظم الله جنتي أهل سبأ وجعلهما آية، ورب قرية من قريات العراق يحتف بها من الجنان ما شئت؟ قلت: لم يرد بستانين اثنين فحسب، وإنما أراد جماعتين من البساتين: جماعة عن يمين بلدهم، وأخرى عن شمالها، وكل واحد من الجماعتين في تقاربها وتضامها. كأنها جنة واحدة، كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها. أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله، كما قال:
جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ إما حكاية لما قال لهم أنبياء الله المبعوثون إليهم، أو لما قال لهم لسان الحال. أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك، ولما قال كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ أتبعه قوله بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ يعنى: هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة، وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: كانت أخصب البلاد وأطيبها: تخرج المرأة وعلى رأسها المكتمل فتعمل بيديها وتسير بين تلك الشجر، فيمتلئ المكتل بما يتساقط فيه من الثمر طَيِّبَةٌ لم تكن سبخة. وقيل: لم يكن فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية. وقرئ: بلدة طيبة وربا غفورا، بالنصب على المدح. وعن ثعلب: معناه اسكن واعبد الْعَرِمِ الجرذ «١»
(١) . قوله «العرم الجرذ» في الصحاح «الجرذ» : ضرب من الفأر. وفيه: سكرت النهر سكرا، إذا شددته. (ع)