للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه من التعنيف والتشديد، فيكون قوله: إلا إذا شئت، من أشد الوعيد، مع تهكم بالموعد لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ لا يفعل شيئاً إلا بموجب الحكمة عَلِيمٌ بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٩]]

وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)

نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضاً كما فعل الشياطين وغواة الإنس، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم كما كانوا في الدنيا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٠]]

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠)

يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ

واختلف في أن الجن هل بعث إليهم رسل منهم، فتعلق بعضهم بظاهر الآية ولم يفرق بين مكلفين ومكلفين أن يبعث إليهم رسول من جنسهم، لأنهم به آنس وله آلف. وقال آخرون: الرسل من الإنس خاصة، وإنما قيل رسل منكم لأنه لما جمع الثقلان في الخطاب صحَّ ذلك وإن كان من أحدهما، كقوله يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وقيل: أراد رسل الرسل من الجنّ إليهم، كقوله تعالى وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ وعن الكلبي: كانت الرسل قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الإنس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن الُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

حكاية لتصديقهم وإيجابهم قوله لَمْ يَأْتِكُمْ

لأن الهمزة الداخلة على نفى إتيان الرسل للإنكار، فكان تقريراً لهم. وقولهم هِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

إقرار منهم بأن حجة الله لازمة لهم، وأنهم محجوجون بها. فإن قلت: ما لهم مقرّين في هذه الآية جاحدين في قوله وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ؟ قلت:

تتفاوت الأحوال والمواطن في ذلك اليوم المتطاول، فيقرّون في بعضها، ويجحدون في بعضها أو أريد شهادة أيديهم وأرجلهم وجلودهم حين يختم على أفواههم. فإن قلت: لم كرّر ذكر شهادتهم على أنفسهم؟ قلت: الأولى حكاية لقولهم كيف يقولون ويعترفون؟ والثانية: ذمّ لهم، وتخطئة لرأيهم، ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم، وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا واللذات الحاضرة، وكان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام لربهم واستيجاب عذابه وإنما قال ذلك تحذيراً للسامعين من مثل حالهم.