للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٨]]

ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)

إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إلا كخلقها وبعثها، أى: سواء في قدرته القليل والكثير، والواحد والجمع، لا يتفاوت، وذلك أنه إنما كانت تفاوت النفس الواحدة والنفوس الكثيرة العدد:

أن لو شغله شأن عن شأن وفعل عن فعل، وقد تعالى عن ذلك إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يسمع كل صوت ويبصر كل مبصر في حالة واحدة، لا يشغله إدراك بعضها عن إدراك بعض، فكذلك الخلق والبعث.

[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)

كل واحد من الشمس والقمر يجرى في فلكه، ويقطعه إلى وقت معلوم: الشمس إلى آخر السنة، والقمر إلى آخر الشهر. وعن الحسن: الأجل المسمى: يوم القيامة. لأنه لا ينقطع جريهما إلا حينئذ. دلّ أيضا بالليل والنهار وتعاقبهما وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين في فلكيهما كل ذلك على تقدير وحساب، وبإحاطته بجميع أعمال الخلق: على عظم قدرته وحكمته. فإن قلت: يجرى لأجل مسمى، ويجرى إلى أجل مسمى: أهو من تعاقب الحرفين؟ قلت: كلا، ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع ضيق العطن «١» . ولكن المعنيين. أعنى الانتهاء والاختصاص كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض لأنّ قولك يجرى إلى أجل مسمى: معناه يبلغه وينتهى كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض، لأنّ قولك يجرى إلى أجل مسمى: معناه يبلغه وينتهى إليه. وقولك: يجرى لأجل مسمى: تريد يجرى لإدراك أجل مسمى، تجعل الجري مختصا بإدراك أجل مسمى. ألا ترى أن جرى الشمس مختص بآخر السنة، وجرى القمر مختص بآخر الشهر، فكلا المعنيين غير ناب به موضعه ذلِكَ الذي وصف من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون. فكيف بالجماد الذي تدعونه من دون الله، إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت إلهيته. وأنّ من دونه باطل الإلهية وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الشأن الْكَبِيرُ السلطان. أو ذلك الذي أوحى إليك من هذه الآيات بسبب بيان أنّ الله هو الحق، وأنّ إلها غيره باطل، وأنّ الله هو العلىّ الكبير عن أن يشرك به.


(١) . قوله «إلا بليد الطبع ضيق العطن» في الصحاح: أنه مبرك الإبل عند الماء، لتشرب عللا بعد نهل. (ع) [.....]