كرّر أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً استفظاعا لشأنهم واستعظاما لكفرهم، أى: وصفتم الله تعالى بأنّ له شريكا، فهاتوا برهانكم على ذلك: إمّا من جهة العقل، وإمّا من جهة الوحى، فإنكم لا تجدون كتابا من كتب الأوّلين إلا وتوحيد الله وتنزيهه عن الأنداد مدعوّ إليه، والإشراك به منهى عنه متوعد عليه. أى هذا الوحى الوارد في معنى توحيد الله ونفى الشركاء عنه، كما ورد علىّ فقد ورد على جميع الأنبياء، فهو ذكر: أى عظة للذين معى: يعنى أمّته، وذكر للذين من قبلي: يريد أمم الأنبياء عليهم السلام. وقرئ ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بالتنوين. ومن مفعول منصوب بالذكر كقوله أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً وهو الأصل والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول كقوله: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ وقرئ مَنْ مَعِيَ ومَنْ قَبْلِي على من الإضافية في هذه القراءة.
وإدخال الجار على «مع» غريب، والعذر فيه أنه اسم هو ظرف، نحو: قبل، وبعد، وعند، ولدن، وما أشبه ذلك، فدخل عليه «من» كما يدخل على أخواته. وقرئ: ذكر معى وذكر قبلي. كأنه قيل: بل عندهم ما هو أصل الشرّ والفساد كله وهو الجهل وفقد العلم، وعدم التمييز بين الحق والباطل، فمن ثم جاء هذا الإعراض، ومن هناك ورد هذا الإنكار. وقرئ «الحق» بالرفع على توسيط التوكيد بين السبب والمسبب. والمعنى أن إعراضهم بسبب الجهل هو الحق لا الباطل.
ويجوز أن يكون المنصوب أيضا على هذا المعنى، كما تقول: هذا عبد الله الحق لا الباطل.