للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالسَّماواتُ ولأنّ الموضع موضع تفخيم وتعظيم، فهو مقتض للمبالغة، ومع القصد إلى الجمع وتأكيده بالجميع أتبع الجميع مؤكدة قبل مجيء الخبر، ليعلم أوّل الأمر أن الخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة، ولكن عن الأراضى كلهن. والقبضة: المرة من القبض فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ والقبضة- بالضم-: المقدار المقبوض بالكف، ويقال أيضا: أعطنى قبضة من كذا: تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر، كما روى: «١» أنه نهى عن خطفة السبع، «٢» وكلا المعنيين محتمل. والمعنى: والأرضون جميعا قبضته، أى: ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة، يعنى أنّ الأرضين مع عظمهن وبسطتهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته، كأنه يقبضها قبضة بكف واحدة، كما تقول: الجزور أكلة لقمان، والقلة جرعته، أى: ذات أكلته وذات جرعته، تريد: أنهما لا يفيان إلا بأكلة فذة من أكلاته، وجرعة فردة من جرعاته.

وإذا أريد معنى القبضة فظاهر، لأن المعنى: أن الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة.

فإن قلت. ما وجه قراءة من قرأ قَبْضَتُهُ بالنصب؟ قلت: جعلها ظرفا مشبها للمؤقت بالمبهم:

مَطْوِيَّاتٌ من الطى الذي هو ضدّ النشر، كما قال تعالى يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ وعادة طاوى السجل أن يطويه بيمينه. وقيل: قبضته: ملكه بلا مدافع ولا منازع، وبيمينه:

بقدرته. وقيل: مطويات بيمينه مفنيات بقسمه، لأنه أقسم أن يفنيها، ومن اشتم رائحة من علمنا هذا فليعرض عليه هذا التأويل ليتلهى بالتعجب منه ومن قائله، ثم يبكى حمية لكلام الله المعجز بفصاحته، وما منى «٣» به من أمثاله، وأثقل منه على الروح، وأصدع للكبد تدوين العلماء قوله، واستحسانهم له، وحكايته على فروع المنابر، واستجلاب الاهتزاز به من السامعين. وقرئ:

مطويات على نظم السماوات في حكم الأرض، ودخولها تحت القبضة، ونصب مطويات على الحال سُبْحانَهُ وَتَعالى ما أبعد من هذه قدرته وعظمته، وما أعلاه عما يضاف إليه من الشركاء.

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٦٨]]

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)


(١) . لم أجده هكذا. وروى أحمد وإسحاق وأبو يعلى من رواية سهل عن عبد الله بن يزيد عن شيخ لقيه سعيد ابن المسيب أنه سمع أبا الدرداء يقول «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل خطفة ونهبة والمجثمة وكل ذى ناب من السباع» ورواه أبو يعلى من رواية الإفريقي ورواه الدارمي والطبراني والنسائي في الكنى من رواية أبى أوس عن الزهري عن أبى إدريس عن أبى ثعلبة، بلفظ «نهي عن الخطفة والمجثمة والنهبة، وكل ذى ناب من السباع» . [.....]
(٢) . قوله «نهى عن خطفة السبع» أى: والمراد مخطوفه. (ع)
(٣) . قوله «وما منى به» أى ابتلى. (ع)