للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أن تزال جبالها وآكامها وكل أمت فيها، حتى تمتدّ وتنبسط ويستوي ظهرها، كما قال تعالى قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً وعن ابن عباس رضى الله عنهما: مدّت مدّ الأديم العكاظي، لأن الأديم إذا مدّ زال كل انثناء فيه وأمت واستوى أو من مدّه بمعنى أمدّه، أى: زيدت سعة وبسطة وَأَلْقَتْ ما فِيها ورمت بما في جوفها مما دفن فيها من الموتى والكنوز وَتَخَلَّتْ وخلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها، كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو، كما يقال: تكرم الكريم، وترحم الرحيم: إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة، وتكلفا فوق ما في طبعهما وَأَذِنَتْ لِرَبِّها في إلقاء ما في بطنها وتخليها.

[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ٦ الى ١٥]

يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠)

فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥)

الكدح: جهد النفس في العمل والكدّ فيه حتى يؤثر فيها، من كدح جلده: إذا خدشه.

ومعنى كادِحٌ إِلى رَبِّكَ جاهد إلى لقاء ربك، وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء فَمُلاقِيهِ فملاق له لا مجالة لا مفرّ لك منه، وقيل: الضمير في ملاقيه للكدح يَسِيراً سهلا هينا لا يناقش فيه ولا يعترض بما يسوءه ويشق عليه، كما يناقش أصحاب الشمال. وعن عائشة رضى الله عنها: هو أن يعرّف ذنوبه، ثم يتجاوز عنه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«من يحاسب يعذب» فقيل يا رسول الله: فسوف يحاسب حسابا يسيرا. قال «ذلكم العرض، من نوقش في الحساب عذب» «١» إِلى أَهْلِهِ إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين. أو إلى فريق المؤمنين.

أو إلى أهله في الجنة من الحور العين وَراءَ ظَهْرِهِ قيل: تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل شماله وراء ظهره، فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره. وقيل تخلع يده اليسرى من وراء ظهره.

يَدْعُوا ثُبُوراً يقول: يا ثبوراه. والثبور: الهلاك. وقرئ: ويصلى سعيرا، كقوله وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ويصلى: بضم الياء والتخفيف، كقوله وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ. فِي أَهْلِهِ فيما بين ظهرانيهم:

أو معهم، على أنهم كانوا جميعا مسرورين، يعنى أنه كان في الدنيا مترفا بطرا مستبشرا كعادة


(١) . متفق عليه من حديث عائشة.