للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلدوا آباءهم في عبادة التماثيل وعفروا لها جباههم، وهم معتقدون أنهم على شيء، وجادّون في نصرة مذهبهم، ومجادلون لأهل الحق عن باطلهم، وكفى أهل التقليد سبة أنّ عبدة الأصنام منهم أَنْتُمْ من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به، لأنّ العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع. ونحوه: اسكن أنت وزوجك الجنة، أراد أن المقلدين والمقلدين جميعا، منخرطون في سلك ضلال لا يخفى على من به أدنى مسكة، لاستناد الفريقين إلى غير دليل، بل إلى هوى متبع وشيطان مطاع، لاستبعادهم أن يكون ما هم عليه ضلالا.

[[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٥٥]]

قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥)

بقوا متعجبين من تضليله إياهم، وحسبوا أن ما قاله إنما قاله على وجه المزاح والمداعبة، لا على طريق الجدّ، فقالوا له: هذا الذي جئتنا به، أهو جدّ وحق، أم لعب وهزل؟

[[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٥٦]]

قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦)

الضمير في فَطَرَهُنَّ للسماوات والأرض. أو للتماثيل، وكونه للتماثيل أدخل في تضليلهم، وأثبت للاحتجاج عليهم. وشهادته على ذلك: إدلاؤه بالحجة عليه، وتصحيحه بها كما تصحح الدعوى بالشهادة، كأنه قال: وأنا أبين ذلك وأبرهن عليه كما تبين الدعاوى بالبينات، لأنى لست مثلكم، فأقول ما لا أقدر على إثباته بالحجة. كما لم تقدروا على الاحتجاج لمذهبكم، ولم تزيدوا على أنكم وجدتم عليه آباءكم.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]

وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)

قرأ معاذ بن جبل: بالله. وقرئ: تولوا، بمعنى تتولوا. ويقويها قوله فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ.

فإن قلت: ما الفرق بين الباء والتاء؟ قلت: أن الباء هي الأصل، والتاء بدل من الواو المبدلة منها، وأن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب، كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه، لأن ذلك كان أمرا مقنوطا منه لصعوبته وتعذره، ولعمري إن مثله صعب متعذر في كل زمان، خصوصا في زمن نمروذ مع عتوّه واستكباره وقوة سلطانه وتهالكه على نصره دينه