للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَلائِكَةُ ملائكة الموت، أو العذاب أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أو يأتى كل آيات ربك.

بدليل قوله أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يريد آيات القيامة والهلاك الكلى، وبعض الآيات.

أشراط الساعة، كطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك. وعن البراء بن عازب: كنا نتذاكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما تتذاكرون؟ فقلنا: نتذاكر الساعة قال: إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان، ودابة الأرض، وخسفاً بالمغرب، وخسفا بالمشرق، وخسفاً بجزيرة العرب، والدجال، وطُلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى، وناراً تخرج من عدن «١» » لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ صفة لقوله نفساً. وقوله أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عطف على آمنت. والمعنى أنّ أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة مضطرّة، ذهب أوان التكليف عندها، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفساً غير مقدّمة إيمانها من قبل ظهور الآيات، أو مقدّمة الإيمان غير كاسبة في إيمانها خيراً، فلم يفرّق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت «٢» في غير وقت الإيمان، وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيراً، ليعلم أنَّ قوله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جمع بين قرينتين، لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى، حتى يفوز صاحبهما ويسعد، وإلا فالشقوة والهلاك قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعيد. وقرئ: أن يأتيهم الملائكة، بالياء والتاء.

وقرأ ابن سيرين: لا تنفع، بالتاء، لكون الإيمان مضافاً إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه كقولك: ذهبت بعض أصابعه.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٥٩]]

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩)

فَرَّقُوا دِينَهُمْ اختلفوا فيه كما اختلفت اليهود والنصارى. وفي الحديث: «افترقت اليهود


(١) . لم أجده لكن في مسلم عن حذيفة نحوه.
(٢) . قال محمود: «فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت … الخ» قال أحمد رحمه الله، هو يروم الاستدلال على صحة عقيدته في أن الكافر والعاصي سواء في الخلود بهذه الآية، إذ سوى بينهما في عدم الانتفاع بما يستدركانه بعد ظهور الآيات، ولا يتم له ذلك، فان هذا الكلام اشتمل على النوع المعروف من علم البيان والبلاغة باللف.
وأصل الكلام. يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفساً لم تكن مؤمنة قبل إيمانها بعد، ولا نفساً لم تكسب في إيمانها خيراً قبل ما تكسبه من الخير بعد، إلا أنه لف الكلامين فجعلهما كلاما واحداً بلاغة واختصاراً وإعجازاً:
أراد أن يثبت أن ذلك هو الأصل، فهو غير مخالف لقواعد السنة، فانا نقول: لا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخبر وإن نفع الايمان المتقدم في السلامة من الخلود، فهذا بأن يدل على رد الاعتزال، أجدر من أن يدل له.
والله الموفق.