للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الثاني: إخفاء الرهب. فإن قلت: قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموما وفي الآخر مضموما إليه، وذلك قوله وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ وقوله وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ فما التوفيق بينهما؟ قلت: المراد بالجناح المضموم. هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه: اليد اليسرى وكلّ واحدة من يمنى اليدين ويسراهما: جناح. ومن بدع التفاسير: أنّ الرهب: الكم، بلغة حمير وأنهم يقولون: أعطنى مما في رهبك، وليت شعري كيف صحته في اللغة؟ وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضي عربيتهم؟ ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية؟ وكيف تطبيقه المفصل «١» كسائر كلمات التنزيل؟ على أن موسى عليه السلام ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زرمانقة «٢» من صوف لا كمى لها فَذانِكَ قرئ مخففا ومشدّدا، فالمخفف مثنى ذاك. والمشدّد مثنى ذلك، بُرْهانانِ حجتان بينتان نيرتان. فإن قلت: لم سميت الحجة برهانا؟ قلت: لبياضها وإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء. برهرهة، بتكرير العين واللام معا. والدليل على زيادة النون قولهم:

أبره الرجل، إذا جاء بالبرهان. ونظيره تسميتهم إياها سلطانا من السليط وهو الزيت، لإنارتها.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]

قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤)

يقال: ردأته: أعنته. والردء: اسم مايعان به، فعل بمعنى مفعول كما أن الدفء اسم لما يدفأ به. قال سلامة بن جندل:

وردئى كل أبيض مشرفي … شحيذ الحدّ عضب ذى فلول «٣»

وقرئ: ردا على التخفيف، كما قرئ: الخب رِدْءاً يُصَدِّقُنِي بالرفع والجزم صفة وجواب، نحو وَلِيًّا يَرِثُنِي سواء. فإن قلت: تصديق أخيه ما الفائدة فيه؟ قلت: ليس الغرض بتصديقه أن يقول له: صدقت، أو يقول للناس: صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق، ويبسط القول فيه، ويجادل به الكفار، كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة، فذلك جار مجرى التصديق المفيد، كما يصدّق القول بالبرهان. ألا ترى إلى قوله وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي


(١) . قوله «وكيف تطبيقه المفصل» لعله تطبيقه على المفصل (ع)
(٢) . قوله «زرمانقة من صوف» في الحديث: أن موسى عليه السلام لما أتى فرعون أتاه وعليه زرمانقة، يعنى: جبة صوف. قال أبو عبيد: أراها عبرانية، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) . لسلامة بن جندل. يقول: وردئى الذي أتوقى به المكاره كل سيف أبيض، وعبر بكل، لأن المراد بيان الجنس لا الشخص، مشرفي: نسبة إلى مشارف اليمن قرى منها، وقيل: من الشام، شحيذ الحد: مرهفه، من شحذ المدية: حددها. عضب: قاطع، والفلول: جمع فل- بالفتح: وهو كسر في حد السيف وانثلام، أى:
به فلول من قراع الكتائب.