من غير أب عند نفخه في الدرع. فإن قلت: فلم خلق الله العجل من الحلىّ حتى صار فتنة لبنى إسرائيل «١» وضلالا؟ قلت: ليس بأوّل محنة محن الله بها عباده ليثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين. ومن عجب من خلق العجل، فليكن من خلق إبليس أعجب. والمراد بقوله فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ هو خلق العجل للامتحان، أى: امتحناهم بخلق العجل وحملهم السامري على الضلال، وأوقعهم فيه حين قال لهم هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أى: فنسي موسى أن يطلبه هاهنا، وذهب يطلبه عند الطور. أو فنسي السامري: أى ترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر.
يَرْجِعُ من رفعه فعلى أنّ أن مخففة من الثقيلة. ومن نصب فعلى أنها الناصبة للأفعال مِنْ قَبْلُ من قبل أن يقول لهم السامري ما قال، كأنهم أوّل ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة افتتنوا به واستحسنوه، فقبل أن ينطق السامري بادرهم هرون عليه السلام بقوله إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٢ الى ٩٣]
قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)
لا مزيدة. والمعنى ما منعك أن تتبعني في الغضب لله وشدة الزجر عن الكفر والمعاصي؟
وهلا قاتلت من كفر بمن آمن؟ ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أبا شره أنا لو كنت شاهدا؟
(١) . قال محمود: «إن قلت لم خلق الله العجل فتنة لهم» قال أحمد: هذا السؤال وجوابه تقدما له في أول سورة الأعراف. وقد أوضحنا أن الله تعالى إنما تعبدنا بالبحث عن علل أحكامه لا علل أفعاله. وجواب هذا السؤال في قوله تعالى لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ فهذا الامر جائز. وقد أخبر الله تعالى بوقوعه فلا نبتغى وراء ذلك سبيلا، لكن الزمخشري تقتضي قاعدته في وجوب رعاية المصالح على الله تعالى وتحتم هداية الخلق عليه: أن يؤول ذلك ويحرفه، فذرهم وما يفترون.