للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنون. أو بأى الفريقين منكم الجنون «١» ، أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين؟ أى: في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم: وهو تعريض بأبى جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأضرابهما، وهذا كقوله تعالى سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ.

[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٧ الى ٩]

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩)

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمجانين على الحقيقة، وهم الذين ضلوا عن سبيله وَهُوَ أَعْلَمُ بالعقلاء وهم المهتدون. أو يكون وعيدا ووعدا، وأنه أعلم بجزاء الفريقين فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم، وكانوا قد أرادوه على أن يعبد الله مدة، وآلهتهم مدة، ويكفوا عنه غوائلهم لَوْ تُدْهِنُ لو تلين وتصانع فَيُدْهِنُونَ. فإن قلت: لم رفع فَيُدْهِنُونَ ولم ينصب بإضمار «أن» وهو جواب التمني؟ قلت: قد عدل به إلى طريق آخر: وهو أن جعل خبر مبتدإ محذوف، أى: فهم يدهنون، كقوله تعالى فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ على معنى: ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ. أو ودوا إدهانك فهم الآن يدهنون، لطمعهم في إدهانك. قال سيبويه: وزعم هرون أنها في بعض المصاحف ودوا لو تدهن فيدهنوا.

[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٠ الى ١٦]

وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤)

إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)

حَلَّافٍ كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف. ومثله قوله تعالى وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ. مَهِينٍ من المهانة وهي القلة والحقارة، يريد القلة في الرأى والتمييز. أو أراد الكذاب لأنه حقير عند الناس هَمَّازٍ عياب طعان. وعن الحسن. يلوى شدقيه في أقفية الناس مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مضرب «٢» نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم. والنميم والنميمة: السعاية، وأنشدنى بعض العرب:


(١) . قوله «أو بأى الفريقين منكم الجنون» لعله المجنون. وفي النسفي. قال الزجاج: الباء بمعنى في. تقول:
كنت ببلد كذا، أى: في بلد كذا، وتقديره: في أيكم المفتون، أى: في أى الفريقين منكم المجنون. (ع)
(٢) . قوله «مضرب نقال» في الصحاح «التضريب بين القوم» : الإغراء. (ع) [.....]