للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أى لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم «١» . وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس وَتِلْكَ إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ إلى قوله وَهُمْ مُهْتَدُونَ. ومعنى آتَيْناها أرشدناه إليها ووفقناه لها نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ يعنى في العلم والحكمة. وقرئ بالتنوين وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ الضمير لنوح أو لإبراهيم. وداوُدَ عطف على نوحا، أى وهدينا داود وَمِنْ آبائِهِمْ في موضع النصب عطفاً على كلا، بمعنى: وفضلنا بعض آبائهم وَلَوْ أَشْرَكُوا مع فضلهم وتقدّمهم وما رفع لهم من الدرجات. لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم، كما قال تعالى وتقدّس لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ. آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يريد الجنس فَإِنْ يَكْفُرْ بِها بالكتاب والحكمة والنبوّة. أو بالنبوّة هؤُلاءِ يعنى أهل مكة قَوْماً هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم، بدليل قوله أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وبدليل وصل قوله فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ بما قبله. وقيل:

هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكل من آمن به. وقيل: كل مؤمن من بنى آدم. وقيل: الملائكة وادّعى الأنصار أنها لهم. وعن مجاهد: هم الفرس. ومعنى توكيلهم بها: أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه. والباء في بِها صلة كافرين. وفي بِكافِرِينَ تأكيد النفي. فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فاختص هداهم بالاقتداء، ولا تقتد إلا بهم. وهذا معنى تقديم المفعول، والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع، فإنها مختلفة وهي هدى، ما لم تنسخ. فإذا نسخت لم تبق هدى، بخلاف أصول الدين فإنها هدى أبدا. والهاء في اقْتَدِهْ للوقف تسقط في الدرج. واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء في المصحف

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٩١]]

وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)


(١) . قال محمود: «والمراد بقوله وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أى لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم. وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس» قال أحمد: وقد وارد أن الآية لما نزلت عظمت على الصحابة، وقالوا أينا لم يظلم نفسه.
فقال عليه الصلاة والسلام «إنما هو الظلم في قول لقمان: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» وإنما هو يروم بذلك تنزيله على معتقده في وجوب وعيد العصاة، وأنهم لاحظ لهم في الأمن كالكفار، ويجعل هذه الآية تقتضي تخصيص الأمر بالجامعين الأمرين: الايمان والبراءة من المعاصي، ونحن نسلم ذلك، ولا يلزم أن يكون الخوف اللاحق العصاة هو الخوف اللاحق الكفار، لأن العصاة من المؤمنين إنما يخافون العذاب المؤقت وهم آمنون من الخلود. وأما الكفار، فغير آمنين بوجه ما، والله الموفق.