فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ فتعرّفوا منهما وتطلبوا خبرهما. وقرئ بالجيم، كما قرئ بهما في الحجرات، وهما تفعل من الإحساس وهو المعرفة فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ومن الجس، وهو الطلب. ومنه قالوا لمشاعر الإنسان: الحواس، والجواس مِنْ رَوْحِ اللَّهِ من فرجه وتنفيسه. وقرأ الحسن وقتادة: من روح الله، بالضم: أى من رحمته التي يحيا بها العباد.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٨]]
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)
الضُّرُّ الهزال من الشدّة والجوع مُزْجاةٍ مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً لها، من أزجيته إذا دفعته وطردته، والريح تزجى السحاب، قيل: كانت من متاع الأعراب صوفاً وسمنا. وقيل: الصنوبر وحبة الخضراء. وقيل: سويق المقل والأقط.
وقيل: دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ الذي هو حقنا وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة، أو زدنا على حقنا، فسموا ما هو فضل وزيادة لا تلزمه صدقة، لأنّ الصدقات محظورة على الأنبياء. وقيل كانت تحل لغير نبينا. وسئل ابن عيينة عن ذلك فقال: ألم تسمع وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا أراد أنها كانت حلالا لهم.
والظاهر أنهم تمسكنوا له وطلبوا إليه أن يتصدّق عليهم، ومن ثم رق لهم وملكته الرحمة عليهم، فلم يتمالك أن عرّفهم نفسه. وقوله إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ شاهد لذلك لذكر الله وجزائه، والصدقة: العطية التي تبتغى بها المثوبة من الله: ومنه قول الحسن- لمن سمعه يقول: اللهمّ تصدق علىّ: - إن الله تعالى لا يتصدق، إنما يتصدق الذي يبتغى الثواب، قل: اللهم أعطنى، أو تفضل علىّ، أو ارحمني.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٩]]
قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩)
قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ أتاهم من جهة الدين وكان حليما موفقاً،»
فكلمهم مستفهماً عن وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب، فقال: هل علمتم قبح ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ
(١) . قال محمود: «أتاهم من جهة الدين وكان حليما موفقا، فكلمهم مستفهما عن معرفة وجه القبح … الخ» قال أحمد: ومن تلطفه بهم قوله إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ كالاعتذار عنهم، لأن فعل القبيح على جهل بمقدار قبحه أسهل من فعله على علم، وهم لو ضربوا في طرق الاعتذار لم يلفوا عذرا كهذا، ألا ترى أن موسى عليه السلام لما اعتذر عن نفسه لم يرد على أن قال: فعلتها إذاً وأنا من الضالين.