والدليل على ذلك قوله وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ وقراءة من قرأ: في الغرفة بِما صَبَرُوا بصبرهم على الطاعات، وعن الشهوات، وعن أذى الكفار ومجاهدتهم، وعلى الفقر وغير ذلك.
وإطلاقه لأجل الشياع في كل مصبور عليه. وقرئ: يلقون، كقوله تعالى وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ويلقون، كقوله تعالى يَلْقَ أَثاماً. والتحية: دعاء بالتعمير. والسلام: دعاء بالسلامة، يعنى أن الملائكة يحيونهم ويسلمون عليهم. أو يحيى بعضهم بعضا ويسلم عليه أو يعطون التبقية والتخليد مع السلامة عن كل آفة. اللهم وفقنا لطاعتك، واجعلنا مع أهل رحمتك، وارزقنا مما ترزقهم في دار رضوانك.
لما وصف عبادة العباد، وعدّد صالحاتهم وحسناتهم، وأثنى عليهم من أجلها، ووعدهم الرفع من درجاتهم في الجنة: أتبع ذلك بيان أنه إنما اكترث لأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم ووعدهم ما وعدهم، لأجل عبادتهم، فأمر رسوله أن يصرّح للناس، ويجزم لهم القول بأن الاكتراث لهم عند ربهم، إنما هو للعبادة وحدها لا لمعنى آخر، ولولا عبادتهم لم يكترث لهم البتة ولم يعتدّ بهم ولم يكونوا عنده شيء يبالى به. والدعاء: العبادة. وما متضمنة لمعنى الاستفهام، وهي في محل النصب، وهي عبارة عن المصدر، كأنه قيل: وأى عبء يعبأ بكم لولا دعاؤكم. يعنى أنكم لا تستأهلون شيئا من العبء بكم لولا عبادتكم. وحقيقة قولهم ما عبأت به: ما اعتددت به من فوادح همومى ومما يكون عبئا علىّ، كما تقول: ما اكترثت له، أى: ما اعتددت به من كوارثى ومما يهمني. وقال الزجاج في تأويل ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي: أى وزن يكون لكم عنده؟
ويجوز أن تكون ما نافية، فَقَدْ كَذَّبْتُمْ يقول: إذا أعلمتكم أن حكمى أنى لا أعتدّ بعبادي إلا عبادتهم، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمى، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار.
ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن استعصى عليه: إن من عادتى أن أحسن إلى من يطيعني ويتبع أمرى، فقد عصيت فسوف ترى ما أحلّ بك بسبب عصيانك. وقيل: معناه ما يصنع بكم ربى لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام. وقيل: ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة، فإن قلت: إلى من يتوجه هذا الخطاب؟ قلت: إلى الناس على الإطلاق، ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون، فخوطبوا بما وجدوا في جنسهم من العبادة والتكذيب. وقرئ:
فقد كذب الكافرون. وقيل: يكون العذاب لزاما. وعن مجاهد رضى الله عنه: هو قتل يوم بدر، وأنه لوزم بين القتلى لزاما. وقرئ: لزاما، بالفتح بمعنى اللزوم، كالثبات والثبوت.