للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتيمم يده عليه ومسح. لكان ذلك طهوره، وهو مذهب أبى حنيفة رحمة اللَّه عليه. فإن قلت:

فما يصنع بقوله تعالى في سورة المائدة (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) أى بعضه، وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه؟ قلت. قالوا إنّ «من» لابتداء الغاية. فان قلت: قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب، إلا معنى التبعيض. قلت: هو كما تقول. والإذعان للحق أحق من المراء إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً كناية عن الترخيص والتيسير، لأنّ من كانت عادته أن يعفو عن الخطائين ويغفر لهم، آثر أن يكون ميسرا غير معسر. فان قلت: كيف نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين، وبين المحدثين والمجنبين «١» ، والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة، والحدث سبب لوجوب الوضوء. والجنابة سبب لوجوب الغسل؟ قلت: أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون الماء في التيمم بالتراب، فخص أوّل من بينهم مرضاهم وسفرهم، لأنهم المتقدّمون في استحقاق بيان الرخصة لهم بكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة، ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء لخوف عدو أو سبع أو عدم آلة استقاء أو إرهاق في مكان لا ماء فيه وغير ذلك بما لا يكثر كثرة المرض والسفر. وقرئ: من غيط، قيل هو تخفيف غيط، كهين في هين. والغيط بمعنى الغائط

[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥)

أَلَمْ تَرَ من رؤية القلب، وعدى بإلى، على معنى: ألم ينته علمك إليهم؟ أو بمعنى: ألم تنظر إليهم؟ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ حظا من علم التوراة، وهم أحبار اليهود يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ يستبدلونها بالهدى، وهو البقاء على اليهودية، بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوّة رسول اللَّه


(١) . قال محمود: «فان قلت: كيف نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين وبين المحدثين والمجنبين … الخ» ؟
قال أحمد: وهذا من ذكر المعتنى به خاصا ومندرجا في العموم تنبيها بذكره على وجهين مختلفين، لأن المرض والسفر مندرجان في عموم المحدثين والمجنبين، واللَّه أعلم.