وفي إعماله وقد وصف بقوله لا نُخْلِفُهُ بعد، إلا أن تجعل الجملة معترضة، فهو مع ذلك لا يخلو من بعد، من حيث أن وقوع الجملة عقيب النكرة بحيزها، الشأن أن تكون صفة، والله أعلم. ويحتمل عندي وجه آخر أخصر وأسلم، وهو أن يجعل موعدا اسم مكان فيطابق مكانا، ويكون بدلا منه، ويطابق الجواب بالزمان بالتقرير الذي ذكره، ويبقى عود الضمير، فنقول: هو والحالة هذه عائد على المصدر المفهوم من اسم المكان، لأن حروفه فيه. والموعد إذا كان اسم مكان فحاصله مكان وعد، كما إذا كان اسم زمان فحاصله زمان وعد. وإذا جاز رجوع الضمير إلى ما دلت قوة الكلام عليه وإن لم يكن منطوقا به بوجه، فرجوعه إلى ما هو كالمنطوق به أولى. ومما يحقق ذلك أنهم قالوا: من صدق كان خيرا له. يعنون: كان الصدق خيرا له، فأعادوا الضمير على المصدر وقدروه منطوقا به للنطق بالفعل الذي هو مشتق منه. وإذا أوضح ذلك فاسم المكان مشتق من المصدر اشتقاق الفعل منه، فالنطق به كاف في إعادة الضمير على مصدره والله أعلم. وعلى هذين التأويلين يكون جواب موسى عليه السلام من جوامع كلم الأنبياء لأنه سئل أن يواعدهم مكانا فعلم أنهم لا بد أن يسألوه مواعدة على زمان أيضا، فأسلف الجواب عنه وضمنها جوابا مفردا، ولقائل أن يقول: إن كان المسئول منه المواعدة على المكان فلم أجاب بالزمان الذي لم يسئل عنه صريحا، وجعل جواب ما سئل عنه مضمنا. وجوابه- والله أعلم- أن يقال اكتفى بقرينة السؤال عن صريح الجواب. وأما ما لم يسئل عنه فلو ضمنه لم يفهم قصده إليه، إذ لا قرينة تدل عليه والله أعلم.