مثال إِلَّا مَنْ شاءَ والمراد: إلا فعل من شاء واستثنائه عن الأجر قول ذى شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال: ما أطلب منك ثوابا على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه.
فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب، ولكن صوّره هو بصورة الثواب وسماه باسمه، فأفاد فائدتين، إحداهما: قلع شبهة الطمع في الثواب من أصله، كأنه يقول لك: إن كان حفظك لمالك ثوابا فإنى أطلب الثواب، والثانية: إظهار الشفقة البالغة وأنك إن حفظت مالك: اعتدّ بحفظك ثوابا ورضى به كما يرضى المثاب بالثواب. ولعمري إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مع المبعوث إليهم بهذا الصدد وفوقه. ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلا: تقربهم إليه وطلبهم عنده الزلفى بالإيمان والطاعة. وقيل: المراد التقرّب بالصدقة والنفقة في سبيل الله.
[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٨]]
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨)
أمره بأن يثق به ويسند أمره إليه في استكفاء شرورهم، مع التمسك بقاعدة التوكل وأساس الالتجاء وهو طاعته وعبادته وتنزيهه وتحميده، وعرّفه أن الحي الذي لا يموت، حقيق بأن يتوكل عليه وحده ولا يتكل على غيره من الأحياء الذين يموتون. وعن بعض السلف أنه قرأها فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق، ثم أراه أن ليس إليه من أمر عباده شيء، آمنوا أم كفروا، وأنه خبير بأعمالهم كاف في جزاء أعمالهم.
[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٩]]
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩)
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ يعنى في مدة: مقدارها هذه المدّة، لأنه لم يكن حينئذ نهار ولا ليل. وقيل:
ستة أيام من أيام الآخرة، وكل يوم ألف سنة. والظاهر أنها من أيام الدنيا. وعن مجاهد:
أوّلها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة. ووجهه أن يسمى الله لملائكته تلك الأيام المقدرة بهذه الأسماء فلما خلق الشمس وأدارها وترتب أمر العالم على ما هو عليه، جرت التسمية على هذه الأيام. وأما الداعي إلى هذا العدد- أعنى الستة دون سائر الأعداد- فلا نشك أنه داعى حكمة، لعلمنا أنه لا يقدّر تقديرا إلا بداعي حكمة، وإن كنا لا نطلع عليه ولا نهتدي إلى معرفته.
ومن ذلك تقدير الملائكة الذين هم أصحاب النار تسعة عشر، وحملة العرش ثمانية، والشهور اثنى عشر، والسماوات سبعا والأرض كذلك، والصلوات خمسا، وأعداد النصب والحدود والكفارات وغير ذلك. والإقرار بدواعى الحكمة في جميع أفعاله، وبأن ما قدّره حق وصواب هو الإيمان.
وقد نص عليه في قوله وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً، وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ