للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأ محمد بن السميقع: فلا تجعلوا للَّه ندا. فإن قلت: ما معنى وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. قلت:

معناه: وحالكم وصفتكم أنكم من صحة تمييزكم بين الصحيح والفاسد، والمعرفة بدقائق الأمور وغوامض الأحوال، والإصابة في التدابير، والدهاء والفطنة، بمنزل لا تدفعون عنه.

وهكذا كانت العرب، خصوصاً ساكن والحرم من قريش وكنانة، لا يصطلى بنارهم «١» في استحكام المعرفة بالأمور وحسن الإحاطة بها. ومفعول (تعلمون) متروك كأنه قيل: وأنتم من أهل العلم والمعرفة. والتوبيخ فيه آكد، أى أنتم العرّافون المميزون. ثم إنّ ما أنتم عليه في أمر ديانتكم من جعل الأصنام للَّه أندادا، هو غاية الجهل ونهاية سخافة العقل. ويجوز أن يقدر: وأنتم تعلمون أنه لا يماثل. أو: وأنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت. أو: وأنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله، كقوله: (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ)

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣]]

وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣)

لما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويحققها، ويبطل الإشراك ويهدمه، وعلم الطريق إلى إثبات ذلك وتصحيحه، وعرفهم أنّ من أشرك فقد كابر عقله وغطى على ما أنعم عليه من معرفته وتمييزه- عطف على ذلك ما هو الحجة على إثبات نبوّة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة، وأراهم كيف يتعرفون أهو من عند اللَّه كما يدعى، أم هو من عند نفسه كما يدعون. بإرشادهم إلى أن يحزروا أنفسهم ويذوقوا طباعهم وهم أبناء جنسه وأهل جلدته. فان قلت: لم قيل: (مِمَّا نَزَّلْنا) على لفظ التنزيل دون الإنزال؟ قلت:

لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم، وهو من محازه لمكان التحدي. وذلك أنهم كانوا يقولون: لو كان هذا من عند اللَّه مخالفاً لما يكون من عند الناس، لم ينزل هكذا نجوما سورة بعد سورة وآيات غب آيات، على حسب النوازل وكفاء الحوادث «٢» وعلى سنن ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر، من وجود ما يوجد منهم مفرقا حيناً فحيناً، وشيئاً فشيئا حسب ما يعنّ لهم من الأحوال المتجددة والحاجات السانحة، لا يلقى الناظم ديوان شعره دفعة،


(١) . قوله «لا يصطلى بنارهم» لعله يصطلى بدون «لا» أو لعله: لا يصطلى إلا بنارهم، بزيادة «إلا» فليحرر.
ويمكن أن يراد اختصاصهم بكمال المعرفة، وأن غيرهم لا يصل إلى شيء مما لديهم من ذلك. (ع)
(٢) . قوله «وكفاء الحوادث» أى مقابلها ومساويها. أفاده الصحاح. (ع)