الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثل للكافر والمؤمن، كما ضرب البحرين مثلا لهما أو للصنم والله عزّ وجلّ، والظلمات والنور والظنّ والحرور: مثلان للحق والباطل، وما يؤدّيان إليه من الثواب والعقاب. والأحياء والأموات: مثل للذين دخلوا في الإسلام والذين لم يدخلوا فيه، وأصروا على الكفر والحرور: السموم، إلا أنّ السموم يكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار. وقيل: بالليل خاصة. فإن قلت: لا المقرونة بواو العطف ما هي؟ قلت: إذا وقعت الواو في النفي قرنت بها لتأكيد معنى النفي. فإن قلت: هل من فرق بين هذه الواوات؟ قلت: بعضها ضمت شفعا إلى شفع، وبعضها وترا إلى وتر إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ يعنى أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيه، فيهدى الذي قد علم أنّ الهداية تنفع فيه، ويخذل من علم أنها لا تنفع فيه. وأمّا أنت فخفى عليك أمرهم، فلذلك تحرص وتنهالك على إسلام قوم من المخذولين. ومثلك في ذلك مثل من لا يريد أن يسمع المقبورين وينذر، وذلك ما لا سبيل إليه، ثم قال إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أى ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر، فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفع، وإن كان من المصرين فلا عليك. ويحتمل أنّ الله يسمع من يشاء وأنه قادر على أن يهدى المطبوع على قلوبهم على وجه القسر والإلجاء، وغيرهم على وجه الهداية والتوفيق، وأما أنت فلا حيلة لك في المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى.
بِالْحَقِّ حال من أحد الضميرين، يعنى: محقا أو محقين، أو صفة للمصدر، أى: إرسالا مصحوبا بالحق. أو صلة لبشير ونذير على: بشيرا بالوعد الحق، ونذيرا بالوعيد الحق. والأمّة الجماعة الكثيرة. قال الله تعالى: وجد عليه أمّة من الناس، ويقال لأهل كل عصر: أمّة، وفي حدود المتكلمين: الأمّة هم المصدقون بالرسول صلى الله عليه وسلم دون المبعوث إليهم، وهم الذين يعتبر إجماعهم، والمراد هاهنا: أهل العصر. فإن قلت: كم من أمّة في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ولم يخل فيها نذير؟ قلت: إذا كانت آثار النذارة باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس، وحين اندرست آثار نذارة عيسى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: كيف اكتفى بذكر النذير عن البشير في آخر الآية بعد ذكرهما؟ قلت لما كانت النذارة مشفوعة بالبشارة لا محالة، دلّ ذكرها على ذكرها، لا سيما قد اشتملت الآية على ذكرهما