للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعاصما رضى الله عنهم، فقد خففوا. وفي حرف أبىّ: يتذكر مِنْ قَبْلُ من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٦٨ الى ٧٠]

فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠)

في إقسام الله تعالى باسمه تقدست أسماؤه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفخيم لشأن رسول الله ورفع منه، كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله تعالى فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ والواو في وَالشَّياطِينَ يجوز أن تكون للعطف، وبمعنى مع، وهي بمعنى «مع» أوقع. والمعنى: أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة. فإن قلت:

هذا إذا أريد بالإنسان الكفرة خاصة، فإن أريد الأناسى على العموم «١» فكيف يستقيم حشرهم مع الشياطين؟ قلت: إذا حشر جميع الناس حشرا واحدا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين.

فقد حشروا مع الشياطين كما حشروا مع الكفرة. فإن قلت: هلا عزل السعداء عن الأشقياء في الحشر كما عزلوا عنهم في الجزاء؟ قلت: لم يفرّق بينهم وبينهم في المحشر، وأحضروا حيث تجاثوا حول جهنم، وأوردوا معهم النار ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله منها وخلصهم، فيزدادوا لذلك غبطة إلى غبطة وسرورا إلى سرور، ويشمتوا بأعداء الله وأعدائهم، فتزداد مساءتهم وحسرتهم وما يغيظهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم. فإن قلت: ما معنى إحضارهم جثيا؟ قلت: أما إذا فسر الإنسان بالخصوص، فالمعنى أنهم يقبلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا «٢» على حالهم التي كانوا عليها في الموقف، جثاة على ركبهم، غير مشاة على أقدامهم، وذلك أن أهل الموقف وصفوا بالجثو. قال الله تعالى وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً على العادة المعهودة في مواقف المقاولات والمناقلات، من تجاثى أهلها على الركب، لما في ذلك من الاستيفاز والقلق وإطلاق الحبا وخلاف الطمأنينة. أو لما يدهمهم من شدّة الأمر التي


(١) . عاد كلامه. قال: «والإنسان يحتمل أن يراد به العموم … الخ» قال أحمد: التبست عليه إرادة العموم بتناول العموم وبينهما بون، ومن ثم خلت عبارته هذه عن التحرز والصون، فصرح بأن الله تعالى أراد بالإنسان العموم، ومعنى إرادة العموم: أن يريد الله تعالى نسبة كلمة الشك والكفر إلى كل فرد من أفراد الإنسان، ومعاذ الله. وقد صرح الزمخشري بأن الناطق بكلمة الشك بعض الجنس، ففي العبارة خلل كما ترى. والعبارة الصحيحة أن يقال: يحتمل أن يكون التعريف جنسيا، فيكون عهديا، فيكون اللفظ من أول وهلة خاصا، والله أعلم.
(٢) . قوله «عتلا» العتل: الجذب العنيف. أفاده الصحاح- (ع)