للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأ ابن عباس رضى اللَّه عنه (فصرّهن) بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء، من صره يصره ويصره إذا جمعه، نحو ضره ويضره ويضره. وعنه (فَصُرْهُنَّ) من التصرية وهي الجمع أيضاً ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً يريد: ثم جزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال. والمعنى:

على كل جبل من الجبال التي بحضرتك وفي أرضك. وقيل: كانت أربعة أجبل. وعن السدّى:

سبعة ثُمَّ ادْعُهُنَّ وقل لهن: تعالين بإذن اللَّه يَأْتِينَكَ سَعْياً ساعيات مسرعات في طيرانهن أو في مشيهن على أرجلهن: فان قلت: ما معنى أمره بضمها إلى نفسه بعد أن يأخذها «١» ؟ قلت:

ليتأملها ويعرف أشكالها وهيئاتها وحلاها «٢» لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء ولا يتوهم أنها غير تلك ولذلك قال: يأتينك سعياً. وروى أنه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرّق أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها، وأن يمسك رءوسها، ثم أمر أن يجعل بأجزائها على الجبال، على كل جبل ربعا من كل طائر، ثم يصيح بها: تعالين بإذن اللَّه، فجعل كل جزء يطير إلى الآخر حتى صارت جثثا ثم أقبلن فانضممن إلى رءوسهن، كل جثة إلى رأسها. وقرئ (جزأ) بضمتين.

وجزّا، بالتشديد. ووجهه أنه خفف بطرح همزته، ثم شدد كما يشدد في الوقف، إجراء للوصل مجرى الوقف.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦١]]

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١)

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ لا بد من حذف مضاف، أى مثل نفقتهم كمثل حبة، أو مثلهم كمثل باذر حبة. والمنبت هو اللَّه، ولكن الحبة لما كانت سببا أسند إليها الإنبات كما يسند إلى الأرض وإلى الماء. ومعنى إنباتها سبع سنابل، أن تخرج ساقا يتشعب منها سبع شعب، لكل واحدة سنبلة وهذا التمثيل تصوير للإضعاف، كأنها ماثلة بين عينى الناظر: فإن قلت: كيف صحّ هذا التمثيل والممثل به غير موجود؟ قلت: بل هو موجود في الدخن والذرة وغيرهما، وربما فرخت ساق البرة في الأراضى القوية المقلة فيبلغ حبها هذا المبلغ، ولو لم يوجد لكان صحيحا على سبيل الفرض والتقدير: فإن قلت: هلا قيل: سبع سنبلات، على حقه من التمييز بجمع القلة كما قال: (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) ؟ قلت: هذا لما قدمت عند قوله: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) من وقوع أمثلة الجمع متعاورة مواقعها وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ أى يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء، لا لكل منفق،


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: إن قلت ما معنى أمره بضمها … الخ» ؟ قال أحمد: يريد: ولم يقل طيرانا لأنه إذا كانت ساعية كان أثبت لنظره عليها من أن تكون طائرة، واللَّه أعلم.
(٢) . قوله «وهيآتها وحلاها» جمع حلية بالكسر أى صفاتها. أفاده الصحاح. (ع)