للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذكر الله كما قال فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وإنما قال: ولذكر الله: ليستقلّ بالتعليل، كأنه قال:

وللصلاة أكبر، لأنها ذكر الله. أو ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر، فكان أولى بأن ينهى من اللطف الذي في الصلاة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ من الخير والطاعة، فيثيبكم أحسن الثواب.

[[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٤٦]]

وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)

بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالخصلة التي هي أحسن: وهي مقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم.

والسورة بالأناة، كما قال. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق، فاستعملوا معهم الغلظة، وقيل: إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة.

وقيل: معناه ولا تجادلوا الداخلين في الذمّة المؤدّين للجزية إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمّة ومنعوا الجزية، فإن أولئك مجادلتهم بالسيف. وعن قتادة: الآية منسوخة بقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ولا مجادلة أشدّ من السيف: وقوله قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا من جنس المجادلة بالتي هي أحسن. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:

ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلا لم تصدّقوهم، وإن كان حقا لم تكذبوهم «١» .

[[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٤٧]]

وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧)

ومثل ذلك الإنزال أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ أى: أنزلناه مصدّقا لسائر الكتب السماوية، تحقيقا لقوله آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم. وقيل: كما أنزلنا الكتب إلى من كان قبلك أنزلنا


(١) . أخرجه أبو داود، وابن حبان وأحمد وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو يعلى والطبراني، من طريق الزهري أخبرنى ابن أبى نملة الأنصارى أن أباه أبا نملة الأنصارى أحبره. قال «بينا هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فذكر قصة هذا فيها» هذا هو المعروف في إسناد هذا الحديث وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من رواية بقية عن الزبير عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة به. وأصل الحديث في البخاري من حديث أبى هريرة باختصار