للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦)

قرئ: حسنا، بضم الحاء وسكون السين. وبضمهما. وبفتحهما. وإحسانا. وكرها، بالفتح والضم، وهما لغتان في معنى المشقة، كالفقر والفقر. وانتصابه على الحال: أى: ذات كره.

أو على أنه صفة للمصدر، أى: حملا ذا كره وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ومدّة حمله وفصاله ثَلاثُونَ شَهْراً وهذا دليل على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدّة الرضاع إذا كانت حولين لقوله عز وجل حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بقيت للحمل ستة أشهر. وقرئ: وفصله.

والفصل والفصال: كالفطم والفطام، بناء ومعنى. فإن قلت: المراد بيان مدّة الرضاع لا الفطام، فكيف عبر عنه بالفصال؟ قلت: لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه لأنه ينتهى به ويتم:

سمى فصالا، كما سمى المدّة بالأمد من قال:

كل حى مستكمل مدّة العمر … ومود إذا انتهى أمده «١»

وفيه فائدة وهي الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته. وقرئ: حتى إذا استوى وبلغ أشدّه. وبلوغ الأشد: أن يكتهل ويستوفى السنّ التي تستحكم فيها قوّته وعقله وتمييزه، وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين. وعن قتادة: ثلاث وثلاثون سنة، ووجهه أن يكون ذلك أوّل الأشد، وغايته الأربعين. وقيل: لم يبعث نبىّ قط إلا بعد أربعين سنة.

والمراد بالنعمة التي استوزع الشكر عليها: نعمة التوحيد والإسلام، وجمع بين شكرى النعمة عليه وعلى والديه، لأن النعمة عليهما نعمة عليه. وقيل في العمل المرضى: هو الصلوات الخمس.

فإن قلت: ما معنى فِي في قوله وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي؟ قلت: معناه: أن يجعل ذرّيته موقعا للصلاح «٢» ومظنة له كأنه قال: هب لي الصلاح في ذرّيتى وأوقعه فيهم ونحوه:

يجرح في عراقيبها نصلى «٣»

مِنَ الْمُسْلِمِينَ من المخلصين. وقرئ: يتقبل، ويتجاوز، بفتح الياء، والضمير فيهما لله عز


(١) . تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٧٧ فراجعه إن شئت اه مصححه. [.....]
(٢) . قال محمود: «فان قلت: ما معنى في هاهنا، وأجاب بأن المراد جعل ذريته … الخ» قال أحمد: ومثله قوله تعالى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى عدولا عن قوله: إلا مودة القربى. أو المودة للقربى، والله أعلم.
(٣) . تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٥٧٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.