والأحسن والأولى بالنبي أن لا يكل أمره إذا ابتلى ببلاء إلا إلى ربه، ولا يعتضد إلا به، خصوصاً إذا كان المعتضد به كافراً، لئلا يشمت به الكفار ويقولوا لو كان هذا على الحق وكان له رب يغيثه لما استغاث بنا. وعن الحسن أنه كان يبكى إذا قرأها ويقول: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس.
لما دنا فرج يوسف، رأى ملك مصر «الريان بن الوليد» رؤيا عجيبة هالته: رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس. وسبع بقرات عجاف، فابتلعت العجاف السمان. ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبعاً أخر يابسات قد استحصدت وأدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها سِمانٍ جمع سمين وسمينة، وكذلك رجال ونسوة كرام. فإن قلت: هل من فرق بين إيقاع سِمانٍ صفة للميز وهو بَقَراتٍ دون المميز وهو سَبْعَ وأن يقال: سبع بقرات سمانا؟ قلت:
إذا أوقعتها صفة لبقرات. فقد قصدت إلى أن تميز السبع بنوع من البقرات وهي السمان منهنّ لا بجنسهنّ. ولو وصفت بها السبع لقصدت إلى تمييز السبع بجنس البقرات لا بنوع منها، ثم رجعت فوصفت المميز بالجنس بالسمن. فإن قلت: هلا قيل: سبع عجاف على الإضافة؟
قلت، التمييز موضوع لبيان الجنس، والعجاف وصف لا يقع البيان به وحده. فإن قلت:
فقد يقولون: ثلاثة فرسان وخمسة أصحاب. قلت: الفارس والصاحب والراكب ونحوها:
صفات جرت مجرى الأسماء فأخذت حكمها وجاز فيها ما لم يجر في غيرها. ألا تراك لا تقول:
عندي ثلاثة ضخام وأربعة غلاظ. فإن قلت: ذاك مما يشكل وما نحن بسبيله لا إشكال فيه.
ألا ترى أنه لم يقل بقرات سبع عجاف، لوقوع العلم بأنّ المراد البقرات؟ قلت: ترك الأصل لا يجوز مع وقوع الاستغناء عما ليس بأصل، وقد وقع الاستغناء بقولك سَبْعٌ عِجافٌ عما تقترحه من التمييز بالوصف. والعجف: الهزال الذي ليس بعده، والسبب في وقوع «عجاف» جمعا «لعجفاء» وأفعل وفعلاء لا يجمعان على فعال: حمله على سمان، لأنه نقيضه، ومن دأبهم حمل النظير على النظير، والنقيض على النقيض. فإن قلت: هل في الآية دليل على أنّ السنبلات اليابسة كانت سبعاً كالخضر؟ قلت: الكلام مبنى على انصبابه إلى هذا العدد