عن حاله التي فارقوه عليها طريحاً في البئر، مشرياً بدراهم معدودة، حتى لو تخيل لهم أنه هو لكذبوا أنفسهم وظنونهم، ولأنّ الملك مما يبدّل الزىّ ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر له المعروف. وقيل: رأوه على زىّ فرعون «١» عليه ثياب الحرير جالساً على سرير في عنقه طوق من ذهب وعلى رأسه تاج، فما خطر ببالهم أنه هو. وقيل: ما رأوه إلا من بعيد بينهم وبينه مسافة وحجاب، وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج، وإنما عرفهم لأنه فارقهم وهم رجال ورأى زيهم قريبا من زيهم إذ ذلك، ولأنّ همته كانت معقودة بهم وبمعرفتهم، فكان يتأمّل ويتفطن. وعن الحسن: ما عرفهم حتى تعرّفوا له.
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أى أصلحهم بعدّتهم وهي عدّة السفر من الزاد وما يحتاج إليه المسافرون وأوقر ركائبهم بما جاءوا من الميرة. وقرئ بِجَهازِهِمْ بكسر الجيم قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ لا بد من مقدمة سبقت له معهم، حتى اجتر القول هذه المسألة. روى أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم: أخبرونى من أنتم وما شأنكم؟ فإنى أنكركم. قالوا: نحن قوم من أهل الشام رعاة، أصابنا الجهد فجئنا نمتار، فقال، لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادي؟ قالوا: معاذ الله، نحن إخوة بنو أب واحد، وهو شيخ صدّيق نبى من الأنبياء، اسمه يعقوب. قال: كم أنتم؟ قالوا كنا اثنى عشر، فهلك منا واحد. قال: فكم أنتم هاهنا؟
قالوا: عشرة. قال: فأين الأخ الحادي عشر؟ قالوا: هو عند أبيه يتسلى به من الهالك. قال: فمن يشهد لكم أنكم لستم بعيون وأنّ الذي تقولون حق؟ قالوا: إنا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد فيشهد لنا. قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم، وهو يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون- وكان أحسنهم رأيا في يوسف- فخلفوه عنده، وكان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم وَلا تَقْرَبُونِ فيه وجهان، أحدهما: أن يكون داخلا في حكم الجزاء مجزوماً، عطفا على محل قوله فَلا كَيْلَ لَكُمْ كأنه قيل: فإن لم تأتونى به تحرموا ولا تقربوا، وأن يكون بمعنى النهى.
(١) . قوله «وقيل رأوه على زى فرعون» إن أريد فرعون موسى، فلم يكن قد وجد. وعبارة الخازن: زى ملوك مصر عليه ثياب الخ. (ع)