للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنى مهاجر إلى ربى. سَيَهْدِينِ سيرشدنى إلى ما فيه صلاحي في دينى ويعصمني ويوفقني، كما قال موسى عليه السلام كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ كأن الله وعده وقال له: سأهديك، فأجزى كلامه على سنن موعد ربه. أو بناء على عادة الله تعالى معه في هدايته وإرشاده.

أو أظهر بذلك توكله وتفويضه أمره إلى الله. ولو قصد الرجاء والطمع لقال، كما قال موسى عليه السلام عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ. هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ هب لي بعض الصالحين، يريد الولد، لأنّ لفظ الهبة غلب في الولد وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا قال عزّ وجل وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وقال على بن أبى طالب لابن عباس رضى الله عنهم- حين هنأه بولده علىّ أبى الأملاك-: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب. ولذلك وقعت التسمية بهبة الله، وبموهوب، ووهب، وموهب. وقد انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم، وأنه يكون حليما، وأى حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح، فقال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين، ثم استسلم لذلك. وقيل: ما نعت الله الأنبياء عليهم السلام بأقل مما نعتهم بالحلم، وذلك لعزة وجوده. ولقد نعت الله به إبراهيم في قوله إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ لأنّ الحادثة شهدت بحلمهما جميعا.

[[سورة الصافات (٣٧) : آية ١٠٢]]

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)

فلما بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه. فإن قلت: مَعَهُ بم يتعلق؟ قلت: لا يخلو إما أن يتعلق ببلغ، أو بالسعي، أو بمحذوف، فلا يصح تعلفه ببلغ لاقتضائه بلوغهما معا حدّ السعى، ولا بالسعي لأنّ صلة المصدر لا تتقدم عليه، فبقى أن يكون بيانا، كأنه لما قال: فلما بلغ السعى أى الحدّ الذي يقدر فيه على السعى قيل: مع من؟ فقال مع أبيه. والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس به، وأعطفهم عليه، وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله، لأنه لم تستحكم قوته ولم يصلب عوده، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة. والمراد: أنه على غضاضة سنه وتقلبه في حد الطفولة، كان فيه من رصانة الحلم وفسحة الصدر ما جسره على احتمال تلك البلية العظيمة والإجابة بذلك الجواب الحكيم: أتى في المنام فقيل له: اذبح ابنك، ورؤيا الأنبياء وحى كالوحى في اليقظة، فلهذا قال إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فذكر تأويل الرؤيا، كما يقول الممتحن وقد رأى أنه راكب في سفينة: رأيت في المنام أنى ناج من هذه المحنة، وقيل: رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له: إنّ الله يأمرك بذبح