وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح. وبذله أشق شيء على النفس على سائر العبادات الشاقة وعلى الإيمان لأن النفس إذا ريضت بالتحامل عليها وتكليفها ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقل طمعها في اتباعه لشهواتها، وبالعكس، فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين. ويجوز أن يراد: وتصديقا للإسلام، وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم لأنه إذا أنفق المسلم ماله في سبيل اللَّه، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه. «ومن» على التفسير الأوّل للتبعيض، مثلها في قولهم: هز من عطفه، وحرك من نشاطه. وعلى الثاني لابتداء الغاية، كقوله تعالى:(حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) . ويحتمل أن يكون المعنى: وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه. وتعضده قراءة مجاهد: وتبيينا من أنفسهم. فإن قلت: فما معنى التبعيض؟ قلت: معناه أن من بذل ماله لوجه اللَّه فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) والمعنى: ومثل نفقة هؤلاء في زكاتها عند اللَّه كَمَثَلِ جَنَّةٍ وهي البستان بِرَبْوَةٍ بمكان مرتفع. وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمراً أَصابَها وابِلٌ مطر عظيم القطر فَآتَتْ أُكُلَها ثمرتها ضِعْفَيْنِ مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها. أو مثل حالهم عند اللَّه بالجنة على الربوة، ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطلّ، وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة، فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة- بعد أن يطلب بها وجه اللَّه ويبذل فيها الوسع- زاكية عند اللَّه، زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده. وقرئ: كمثل حبة، وبربوة- بالحركات الثلاث- وأكلها بضمتين.
الهمزة في أَيَوَدُّ للإنكار. وقرئ: له جنات، وذرية ضعاف. والإعصار: الريح التي تستدير في الأرض، ثم تسطع نحو السماء كالعمود. وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغى بها وجه اللَّه. فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة، فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان وأجمعها للثمار فبلغ الكبر، وله أولاد ضعاف والجنة معاشهم ومنتعشهم، فهلكت