ولأن البعد هنا باعتبار علو المنزلة، وبعد مرتبة المشار إليه من مرتبة كل كتاب سواه كما يقطعون بثم للاشعار بتراخي المراتب، وقد يكون المعطوف سابقا في الوجود على المعطوف عليه وسيأتى أمثاله. (٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت: لم ذكر اسم الاشارة … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: ولو مثل ذلك بقول القائل: حصان كانت دابتك، لكان أقوم وأسلم من الفرق بما في لفظ «من» من الإبهام الصالح للمذكور والمؤنث. ومثل هذا قوله تعالى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) فيمن وصل الكلام فجعل (هُمُ الْعَدُوُّ) جملة في موضع المفعول الثاني للحسبان، وعدل عن أن يقول: هي العدو، نظراً إلى المفعول الثاني الذي هو في المعنى خبر عن الصيحة، فذكر وجمع لما كان المبتدأ هو الخبر في المعنى. وقد وجه الشيخ أبو عمرو قول الزمخشري، وتسمى الجملة بالتاء والياء عقيب قوله: والكلام هو المركب من كلمتين- بهذا التوجيه (٣) . عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار … ماذا يحيون من نؤى وأحجار لقد أرانى ونعمى لاهيين بها … والدهر والعيش لم يهمم بإمرار نبئت نعمى على الهجران عاتبة … سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري للنابغة الذبياني. والعوج: عطف رأس البعير بالزمام. ونعم: اسم محبوبته. والدمنة: ما تلبد من البعر والرماد والقمامة، والمراد مطلق الآثار. والنؤى: الحاجز حول الخباء لئلا يدخله الماء. والمراد بالأحجار: الأثافى التي تنصب عليها القدور، أو بقية الجدران، وهم بالشيء: أراده، وأصله الإدغام، وفكه هنا لغة، أى لم يهم كل منهما. والإمرار: صيرورة الشيء مرا، والاحلاء: صيرورته حلوا، وجعل الطعم مراً، وجعله حلواً، ويروى زارية بدل عاتبة. والزاري: العائب، يقال: زرى عليه يزرى إذا عاب عليه. وقوله ماذا تحيون: استشعار للخطأ في الأمر بالتحية ورجوع عنه لأنه لا يجدى شيئا. و «من» بيان لماذا، وفيه معنى التحقير، ونعمى: عطف على ضمير النصب، والواو للحال، أى والحال أن الدهر والعيش لم يتغير كل منهما إلى البؤس، شبههما بما تصح منه الارادة على طريق الكناية، فأسند لهما الهم تخييلا، أو استعار الهم المشارفة والقرب تصريحا، وشبههما بالمطعوم فأثبت لهما الإمرار، أو استعاره لتكدرهما ونغصهما بجامع كراهية النفس لكل. وعلى الهجران: أى مع هجرانها، أو لأحل هجرانى لها. وسقيا، ورعيا: منصوبان على المصدرية، أى سقاها اللَّه ورعاها. وذلك إشارة إلى الإنسان أو الشخص وهي المراد، ووصفها بما للذكر تعظيما لها وتفخيما لشأنها.