للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدينة. وقيل: أرض وقعت المدينة في ناحية منها لا مُقامَ لَكُمْ قرئ بضم الميم وفتحها، أى لا قرار لكم هاهنا، ولا مكان تقيمون فيه أو تقومون فَارْجِعُوا إلى المدينة: أمروهم بالهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: قالوا لهم: ارجعوا كفارا وأسلموا محمدا، وإلا فليست يثرب لكم بمكان. قرئ: عورة، بسكون الواو وكسرها، فالعورة: الخلل، والعورة: ذات العورة، يقال: عور المكان عورا إذا بدا فيه خلل يخاف منه العدو والسارق.

ويجوز أن تكون عَوْرَةٌ تخفيف: عورة، اعتذروا أنّ بيوتهم معرّضة للعدو ممكنة للسراق، لأنها غير محرزة ولا محصنة، فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه، فأكذبهم الله بأنهم لا يخافون ذلك، وإنما يريدون الفرار وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ المدينة. وقيل: بيوتهم، من قولك: دخلت على فلان داره مِنْ أَقْطارِها من جوانبها، يريد: ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة التي يفرون خوفا منها مدينتهم وبيوتهم من نواحيها كلها. وانثالت «١» على أهاليهم وأولادهم ناهبين سابين، ثم سئلوا عند ذلك الفزع وتلك الرجفة الْفِتْنَةَ أى الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين، لأتوها: لجاؤها وفعلوها. وقرئ: لآتوها: لأعطوها وَما تَلَبَّثُوا بِها وما ألبثوا إعطاءها إِلَّا يَسِيراً ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف. أو وما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا، فإن الله يهلكهم. والمعنى: أنهم يتعللون بإعوار بيوتهم، ويتمحلون ليفروا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وعن مصافة الأحزاب الذين ملؤهم هولا ورعبا، وهؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا «٢» عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر وقيل لهم كونوا على المسلمين، لسارعوا إليه وما تعللوا بشيء، وما ذاك إلا لمقتهم الإسلام. وشدة بغضهم لأهله، وحبهم الكفر وتهالكهم على حزبه.

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦)

عن ابن عباس: عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم. وقيل: هم قوم غابوا عن بدر فقالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلنّ. وعن محمد بن إسحاق عاهدوا يوم أحد أن لا يفرّوا بعد ما نزل فيهم ما نزل مَسْؤُلًا مطلوبا مقتضى حتى يوفى به لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ مما لا بدّ لكم من نزوله بكم من حتف أنف أو قتل. وإن نفعكم الفرار مثلا فمنعتم


(١) . قوله «وانثالت» في الصحاح: انثال عليه الناس من كل وجه، أى: انصبوا. (ع)
(٢) . قوله «لو كبسوا» في الصحاح: كبسوا دار فلان: أغاروا عليها فجأة. (ع)