فلما ألقمهم الحجر وأخذ بمخانقهم، رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: أنتم الظالمون على الحقيقة، لا من ظلمتموه حين قلتم: من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين.
[[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٦٥]]
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥)
نكسته: قلبته فجعلت أسفله أعلاه، وانتكس: انقلب، أى: استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة، ثم انتكسوا وانقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة، وأنّ هؤلاء- مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق- آلهة معبودة، مضارّة منهم. أو انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه السلام مجادلين عنه، حين نفوا عنها القدرة على النطق. أو قلبوا على رؤسهم حقيقة، لفرط إطراقهم خجلا وانكسارا وانخزالا مما بهتهم به إبراهيم عليه السلام، فما أحاروا جوابا إلا ما هو حجة عليهم. وقرئ: نكسوا، بالتشديد.
ونكسوا، على لفظ ما سمى فاعله، أى: نكسوا أنفسهم على رؤسهم. قرأ به رضوان ابن عبد المعبود.
أُفٍّ صوت إذا صوّت به علم أنّ صاحبه متضجر، أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل، فتأفف بهم. واللام لبيان المتأفف به.
أجمعوا رأيهم- لما غلبوا- بإهلاكه: وهكذا المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة وافتضح، لم يكن أحد أبغض إليه من المحق، ولم يبق له مفزع إلا مناصبته، كما فعلت قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم حين عجزوا عن المعارضة، والذي أشار بإحراقه نمروذ. وعن ابن عمر رضى الله عنهما: رجل من أعراب العجم يريد الأكراد. وروى أنهم حين هموا بإحراقه، حبسوه ثم بنوا بيتا كالحظيرة بكوثى، وجمعوا شهرا أصناف الخشب الصلاب، حتى إن كانت المرأة لتمرض فتقول: إن عافاني الله لأجمعنّ حطبا لإبراهيم عليه السلام، ثم أشعلوا نارا عظيمة كادت الطير تحترق في الجوّ من وهجها، ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فرموا به فيها، فناداها جبريل