للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن عبد الله بن عمرو بن العاص: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد «١» ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً، وقد بلغني أن من الضلال من اغترّ بهذا الحديث، فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين، زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه، وتنبيهاً على أن نعقل عنه، ولئن صح هذا عن ابن العاص، فمعناه أنهم يخرجون من حرّ النار إلى برد الزمهرير فذلك خلوّ جهنم وصفق أبوابها، وأقول:

ما كان لابن عمرو في سيفيه، ومقاتلته بهما على بن أبى طالب رضى الله عنه، ما يشغله عن عن تسيير هذا الحديث.

[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٨ الى ١٠٩]

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)

غَيْرَ مَجْذُوذٍ غير مقطوع، ولكنه ممتدّ إلى غير نهاية، كقوله لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.

لما قصّ قصص عبدة الأوثان، وذكر ما أحلّ بهم من نقمه، وما أعدّ لهم من عذابه قال:

فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ أى: فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم وتعرّصهم بها لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدة بالانتقام منهم ووعيداً لهم ثم قال ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ يريد أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالين، وقد بلغك ما نزل بآبائهم فسينزلنّ بهم مثله، وهو استئناف معناه تعليل النهى عن المرية. و «ما» في مما، وكما: يجوز أن تكون مصدرية وموصولة، أى: من عبادتهم، وكعبادتهم. أو مما يعبدون من الأوثان، ومثل ما يعبدون منها وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ أى حظهم من العذاب «٢» كما وفينا آباءهم أنصباءهم. فإن قلت:


(١) . الحديث أخرجه البزار قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن أبى بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال «يأتى على النار زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، يعنى من الموحدين» كذا فيه ورجاله ثقات. والتفسير لا أدرى ممن هو، وهو أولى من تفسير المصنف، ويؤيده ما رواه ابن عدى عن أنس رضى الله عنه مرفوعا «ليأتين على جهنم يوم تصفق أبوابها، ما فيها من أمة محمد أحد» وفي الباب عن أبى أمامة رفعه «يأتى على جهنم يوم ما فيها من بنى آدم أحد، تخفق أبوابها، يعنى من الموحدين» وأما الحديث الذي أخرجه الحارث بن أبى أمامة في مسنده من طريق الحسن عن عمرو رفعه «إن جهنم تخلو حتى ينبت فيها الجرجير، فهو منقطع. ومراسيل الحسن عندهم واهية. لأنه كان يأخذ من كل أحد. فان كان محفوظا فعلى التأويل الأول، والله أعلم.
(٢) . قال محمود: «أى حظهم من العذاب، وإنما نصب غير منقوص حالا من النصيب الموفى، لأنه يجوز أن يوفى وهو ناقص ويوفى وهو كامل. ألا تراك تقول: وفيته شطر حقه وحقه كاملا» قال أحمد: وهم والله أعلم، فان التوفية تستلزم عدم نقصان الموفى كاملا كان أو ناقصاً، فقولك: وفيته نصف حقه يستلزم عدم نقصانه، فما وجه انتصابه حالا عنه؟ والأوجه أن يقال: استعملت التوفية بمعنى الإعطاء، كما استعمل التوفي بمعنى الأخذ. ومن قال:
أعطيت فلانا حقه. كان جديراً أن يؤكده بقوله «غير منقوص» والله أعلم.