وما بين الجنسين المختلفين من التنافر وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ التوادّ والتراحم بعصمة الزواج، بعد أن لم تكن بينكم سابقة معرفة، ولا لقاء، ولا سبب يوجب التعاطف من قرابة أو رحم وعن الحسن رضى الله عنه: المودة كناية عن الجماع، والرحمة عن الولد، كما قال وَرَحْمَةً مِنَّا وقال: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ. ويقال: سكن إليه، إذا مال إليه، كقولهم: انقطع إليه، واطمأن إليه- ومنه السكن. وهو الإلف المسكون إليه. فعل بمعنى مفعول. وقيل: إن المودة والرحمة من قبل الله وإن الفرك من قبل الشيطان «١» .
الألسنة: اللغات. أو أجناس النطق وأشكاله. خالف عزّ وعلا بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد، ولا جهارة، ولا حدّة، ولا رخاوة، ولا فصاحة، ولا لكنة، ولا نظم، ولا أسلوب، ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وكذلك الصور وتخطيطها، والألوان وتنويعها، ولاختلاف ذلك وقع التعارف، وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصالح كثيرة، وربما رأيت توأمين يشتبهان في الحلية، فيعروك الخطأ في التمييز بينهما، وتعرف حكمة الله في المخالفة بين الحلىّ وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد، وفرّعوا من أصل فذ، وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله مختلفون متفاوتون. وقرئ: للعالمين بفتح اللام وكسرها، ويشهد للكسر قوله تعالى وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.
هذا من باب اللفّ وترتيبه: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار، إلا أنه فصل بين القرينين الأوّلين بالقرينين الآخرين. لأنهما زمانان. والزمان والواقع فيه كشيء واحد، مع إعانة اللفّ على الاتحاد. ويجوز أن يراد: منامكم في الزمانين، وابتغاءكم فيهما، والظاهر هو الأول لتكرّره في القرآن، وأسدّ المعاني ما دل عليه القرآن يسمعونه بالآذان الواعية.
(١) . قوله «وإن الفرك من قبل الشيطان» في الصحاح «الفرك» بالكسر: البغض. (ع)