للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبيل الدين وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا وغزوا المشركين واستشهدوا. وقرئ: وقتلوا، بالتشديد. وقتلوا وقاتلوا- على التقديم- بالتخفيف والتشديد. وقتلوا، وقتلوا، على بناء الأول للفاعل والثاني للمفعول. وقتلوا، وقاتلوا، على بنائهما للفاعل ثَواباً في موضع المصدر المؤكد بمعنى إثابة أو تثويباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لأن قوله: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ....) (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ) في معنى. لأثيبنهم. وعِنْدَهُ مثل: أن يختص به وبقدرته وفضله، لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه، كما يقول الرجل: عندي ما تريد، يريد اختصاصه به وبملكه وإن لم يكن بحضرته. وهذا تعليم من اللَّه كيف يدعى وكيف يبتهل إليه ويتضرّع. وتكرير (رَبَّنا) من باب الابتهال، وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين اللَّه، والصبر على صعوبة تكاليفه، وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه، وتسجيل على من لا يرى الثواب «١» موصولا إليه، بالعمل بالجهل والغباوة.

وروى عن جعفر الصادق رضى اللَّه عنه: من حزبه أمر فقال خمس مرات (ربنا) أنجاه اللَّه مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ هذه الآية. وعن الحسن: حكى اللَّه عنهم أنهم قالوا خمس مرات (ربنا) ثم أخبر أنه استجاب لهم، إلا أنه أتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به، فلا بد من تقديمه بين يدي الدعاء.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٦ الى ١٩٧]

لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧)

(لا يَغُرَّنَّكَ) الخطاب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو لكل أحد، أى لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق والمضطرب ودرك العاجل وإصابة حظوظ الدنيا، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض، وتصرفهم في البلاد يتكسبون ويتجرون وبتدهقنون «٢» . وعن ابن عباس: هم أهل مكة. وقيل: هم اليهود. وروى أن أناسا من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب والرخاء ولين العيش فيقولون: إن أعداء اللَّه فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد. فإن قلت: كيف جاز أن يغتر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بذلك حتى ينهى عن الاغترار


(١) . قوله «وتسجيل على من لا يرى الثواب» يريد أهل السنة القائلين يجوز على اللَّه أن يتفضل على العبد بدون عمل ولا يجب عليه إثابة العامل. وقد حقق في محله. (ع)
(٢) . قوله «ويتجرون ويتدهقنون» يتملئون ويتمتعون بلين الطعام وطيب الشراب. أفاده الصحاح، في مادة دهق، ومادة دهقن. والأوفق بما في الصحاح: يتدهمقون، حيث قال: قال الأصمعى: الدهمقة: لين الطعام وطيبة ورقته. وحديث عمر «لو شئت أن يدهمق لي لفعلت، ولكن اللَّه عاب قوما فقال: أذهبتم طيباتكم … الآية» ولم يذكر الدهقنة بهذا المعنى تصريحا. (ع)