الحكاية مرة تكون مع التزام اللفظ، ومرة تكون بالمعنى غير متبعة للفظ، فلعل الأمر في هذه الآية توجه على النبي عليه السلام أن يحكى معنى قول اللَّه تعالى له (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) بلفظ المتكلم ونظير هذا قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) إلى قوله: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) فانظر ما وقع بعد القول المنسوب إليهم مما يفهم أنه قول اللَّه عز وجل لا على سبيل الحكاية عنهم، إذ هم لا يقولون: فأنشرنا، وإنما يقولون: فأنشر، على لفظ الغيبة ولكن جاء الكلام حكاية على المعنى، لأن معنى قولهم: فأنشر اللَّه، هو معنى قول اللَّه عن ذاته: فأنشرنا، ولا يستتب لك أن يجعل هذا من باب الخروج من الغيبة إلى التكلم الذي يسمى التفاتا، فان في هذا مزيداً. ومنه قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) إلى قوله: (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) فأول الكلام يفهم قول موسى وآخره يفهم قول اللَّه تعالى. والطريق الجامع في ذلك ما قررته واللَّه أعلم. (٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت كيف استقام قوله فانه نزله جزاء للشرط … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: ويكون دخول الفاء في الجزاء على هذا الوجه مستحقا لسببين: أحدهما أنه جملة اسمية. والآخر أنه ماض صحيح. (٣) . قوله «فما بال الملائكة وهم أشرف» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فالأنبياء أشرف. (ع)