(٢) . قال محمود: «سؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي يقصد به تصوير المعنى … الخ» قال أحمد: قد تقدم إنكارى عليه إطلاق التخييل في غير ما موضع، والنكير هاهنا أشد عليه، فان إطلاق التخييل قد مضى له في مثل قوله وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وفي مثل قوله بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ وإنما أراد به حمل الأيدى على نوع من المجاز، فمعنى كلامه صحيح، لأنا نعتقد فيهما المجاز، وندين الله بتقديسه عن المفهوم الحقيقي، فلا بأس عليه في معنى إطلاقه، غير أنا مخاطبون باجتناب الألفاظ الموهمة في حق جلال الله تعالى وإن كانت معانيها صحيحة، وأى إيهام أشد من إيهام لفظ التخييل. ألا ترى كيف استعمله الله فيما أخبر أنه سحر وباطل في قوله يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فلا يشك في وجوب اجتنابه، ثم يعود بنا الكلام إلى إطلاقه هاهنا فنقول: هو منكر لفظا ومعنى. أما اللفظ فقد تقدم، وأما المعنى فلأنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه، وكيف نفرض وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك: منها هذا: ومنها: لجاج الجنة والنار. ومنها: اشتكاؤها إلى ربها فأذن لها في نفسين. وهذه وإن لم تكن نصوصا فظواهر يجب حملها على حقائقها، لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر ما لم يمنع مانع، ولا مانع هاهنا «فان القدرة صالحة. والعقل يجوز، والظواهر قاضية بوقوع ما صوره العقل، وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا، كتسليم الشجر وتسبيح الحصا في كف النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد أصحابه، ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظواهر في تفاصيل المقالة لا تسع الخرق وضل كثير من الخلق عن الحق، وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها، فان العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق، فاشدد يدك بما فصل في هذا الفصل، مما أرشدتك به إلى منهج القرب والوصل، والله الموفق.