صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد وشدّ معاقده، وأمّا إشهادهم فما هو إلا تهاون بدينهم ودلالة على قلة المبالاة بهم فحسب، فعدل به عن لفظ الأوّل لاختلاف ما بينهما، وجيء به على لفظ الأمر بالشهادة، كما يقول الرجل لمن يبس الثرى بينه وبينه. اشهد على أنى لا أحبك، تهكما به واستهانة بحاله مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ من إشراككم آلهة من دونه، أو مما تشركونه من آلهة من دونه، أى أنتم تجعلونها شركاء له، ولم يجعلها هو شركاء. ولم ينزل بذلك سلطانا فَكِيدُونِي جَمِيعاً أنتم وآلهتكم أعجل ما تفعلون، من غير إنظار، فإنى لا أبالى بكم وبكيدكم، ولا أخاف معرّتكم وإن تعاونتم علىّ وأنتم الأقوياء الشداد، فكيف تضرني آلهتكم، وما هي إلا جماد لا تضر ولا تنفع، وكيف تنتقم منى إذا نلت منها وصددت عن عبادتها، بأن تخبلنى وتذهب بعقلي.
ولما ذكر توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم، وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم، من كون كل دابة في قبضته وملكته وتحت قهره وسلطانه، والأخذ بنواصيها، تمثيل لذلك إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يريد أنه على طريق الحق والعدل في ملكه، لا يفوته ظالم، ولا يضيع عنده معتصم به فَإِنْ تَوَلَّوْا فإن تتولوا. فإن قلت:
الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط؟ قلت: معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ، وكنتم محجوجين بأنّ ما أرسالات به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول وَيَسْتَخْلِفُ كلام مستأنف، يريد: ويهلككم الله ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم وَلا تَضُرُّونَهُ بتوليكم شَيْئاً من ضرر قط، لأنه لا يجوز عليه المضارّ والمنافع، وإنما تضرون أنفسكم. وفي قراءة عبد الله: ويستخلف، بالجزم.
وكذلك: ولا تضروه، عطفاً على محل فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ والمعنى: إن يتولوا يعذرني ويستخلف قوماً غيركم ولا تضروا إلا أنفسكم عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أى رقيب عليه مهيمن، فما تخفى