لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين: المعيشة الضنك في الدنيا، وحشره أعمى في الآخرة- ختم آيات الوعيد بقوله وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى كأنه قال: وللحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشدّ من ضيق العيش المنقضى. أو أراد: ولتركنا إياه في العمى أشدّ وأبقى من تركه لآياتنا.
فاعل فَلَمْ يَهْدِ الجملة بعده يريد: ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه. ونظيره قوله تعالى وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ أى تركنا عليه هذا الكلام. ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول، ويدل عليه القراءة بالنون. وقرئ يَمْشُونَ يريد أنّ قريشا يتقلبون في بلاد عاد وثمود ويمشون فِي مَساكِنِهِمْ ويعاينون آثار هلاكهم.
الكلمة السابقة: هي العدة بتأخير جزائهم إلى الآخرة، يقول: لولا هذه العدة لكان مثل إهلاكنا عادا وثمودا لازما لهؤلاء الكفرة. واللزام: إما مصدر لازم وصف به، وإما فعال بمعنى مفعل، أى ملزم، كأنه آلة اللزوم لفرط لزومه، كما قالوا: لزاز خصم وَأَجَلٌ مُسَمًّى لا يخلو من أن يكون معطوفا على كَلِمَةٌ أو على الضمير في لَكانَ أى لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل
بِحَمْدِ رَبِّكَ في موضع الحال، أى: وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه. والمراد بالتسبيح الصلاة. أو على ظاهره قدم الفعل على الأوقات أوّلا، والأوقات على الفعل آخرا، فكأنه قال: صل لله قبل طلوع الشمس يعنى الفجر، وقبل غروبها يعنى الظهر والعصر، لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها، وتعمد آناء الليل وأطراف النهار مختصا لهما بصلاتك، وذلك أن أفضل الذكر ما كان بالليل، لاجتماع القلب وهدو الرجل والخلو بالرب. وقال الله عز وجل إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا وقال أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ولأنّ الليل وقت السكون والراحة، فإذا