والاتحاد والاجتماع على الحق، في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض. فإن قلت: ما الأمر؟ قلت:
طلب الفعل ممن هو دونك وبعثه عليه. وبه سمى الأمر الذي هو واحد الأمور لأن الداعي الذي يدعو إليه من يتولاه شبه بآمر يأمره به، فقيل له: أمر، تسمية للمفعول به بالمصدر كأنه مأمور به، كما قيل له شأن. والشأن: الطلب والقصد. يقال: شأنت شأنه، أى قصدت قصده هُمُ الْخاسِرُونَ لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء، والقطع بالوصل، والفساد بالصلاح وعقابها بثوابها.
معنى الهمزة التي في كَيْفَ مثله في قولك: أتكفرون باللَّه ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان، وهو الإنكار والتعجب. ونظيره قولك: أتطير بغير جناح، وكيف تطير بغير جناح؟ فإن قلت: قولك: أتطير بغير جناح إنكار للطيران، لأنه مستحيل بغير جناح، وأما الكفر فغير مستحيل مع ما ذكر من الإماتة والإحياء. قلت: قد أخرج في صورة المستحيل لما قوى من الصارف عن الكفر والداعي إلى الإيمان. فإن قلت: فقد تبين أمر الهمزة وأنها لإنكار الفعل والإيذان باستحالته في نفسه، أو لقوة الصارف عنه، فما تقول في «كيف» حيث كان إنكاراً للحال التي يقع عليها كفرهم؟ قلت: حال الشيء تابعة لذاته، فإذا امتنع ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال فكان إنكار حال الكفر لأنها تبيع ذات الكفر ورديفها إنكاراً لذات الكفر، وثباتها على طريق الكناية، وذلك أقوى لإنكار الكفر وأبلغ. وتحريره: أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها. وقد علم أنّ كل موجود لا ينفك عن حال وصفة عند وجوده. ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات كان إنكاراً لوجوده على الطريق البرهاني.
والواو في قوله وَكُنْتُمْ أَمْواتاً للحال. فإن قلت: فكيف صح أن يكون حالا وهو ماض، ولا يقال جئت وقام الأمير، ولكن وقد قام، لا أن يضمر قد؟ قلت: لم تدخل الواو على: (كُنْتُمْ أَمْواتاً) وحده، ولكن على جملة قوله:(كُنْتُمْ أَمْواتاً) إلى (تُرْجَعُونَ) ، كأنه قيل: كيف تكفرون باللَّه وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتا نطفا في أصلاب