لقولك لهم إن الأمر كله للَّه لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أى لو كان الأمر كما قال محمد أن الأمر كله للَّه ولأوليائه وأنهم الغالبون، لما غلبنا قط، ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ يعنى من علم اللَّه منه أنه يقتل ويصرع في هذه المصارع وكتب ذلك في اللوح لم يكن بد من وجوده فلو قعدتم في بيوتكم لَبَرَزَ من بينكم الَّذِينَ علم اللَّه أنهم يقتلون إِلى مَضاجِعِهِمْ وهي مصارعهم ليكون ما علم اللَّه أنه يكون. والمعنى أن اللَّه كتب في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين، وكتب مع ذلك أنهم الغالبون، لعلمه أن العاقبة في الغلبة لهم، وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله، وأن ما ينكبون به في بعض الأوقات تمحيص لهم وترغيب في الشهادة، وحرصهم على الشهادة مما يحرضهم على الجهاد فتحصل الغلبة. وقيل: معناه هل لنا من التدبير من شيء، يعنون لم تملك شيئا من التدبير حيث خرجنا من المدينة إلى أحد، وكان علينا أن نقيم ولا نبرح كما كان رأى عبد اللَّه بن أبىّ وغيره، ولو ملكنا من التدبير شيئا لما قتلنا في هذه المعركة، قل إن التدبير كله للَّه، يريد أن اللَّه عز وجل قد دبر الأمر كما جرى، ولو أقمتم بالمدينة ولم تخرجوا من بيوتكم لما نجا من القتل من قتل منكم. وقرئ: كتب عليهم القتال. وكتب عليهم القتل، على البناء للفاعل. ولبرِّز، بالتشديد وضم الباء وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص، ويمحص ما في قلوبهم من وساوس الشيطان. فعل ذلك أو فعل ذلك لمصالح جمة وللابتلاء والتمحيص. فإن قلت: كيف مواقع الجمل التي بعد قوله وطائفة؟ قلت:(قَدْ أَهَمَّتْهُمْ) صفة لطائفة. و (يَظُنُّونَ) صفة أخرى أو حال بمعنى: قد أهمتهم أنفسهم ظانين. أو استئناف على وجه البيان للجملة قبلها. و (يَقُولُونَ) بدل من يظنون. فإن قلت: كيف صح أن يقع ما هو مسألة عن الأمر بدلا من الإخبار بالظن؟ «١» قلت: كانت مسألتهم صادرة عن الظنّ، فلذلك جاز إبداله منه. ويخفون حال من يقولون. و (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) اعتراض بين الحال وذوى الحال. و (يَقُولُونَ) بدل من (يُخْفُونَ) والأجود أن يكون استئنافا.
(١) . قال محمود: «إن قلت كيف صح أن يقع ما هو مسألة عن الأمر … الخ» ؟ قال أحمد: ويلاحظ هذا النظر في قوله تعالى عن الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ … ) الآية فان هذا السؤال استفهام، والاستفهام لا يتصف بما يتصف به الخبر من الصدق ونقيضه، ومع ذلك ورد قوله تعالى في خطابهم (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعنى في قولكم أتجعل فيها من يفسد فيها. فأجرى استفهامهم مجرى الخبر لاستلزامه الاخبار بأن هذا النوع الإنساني ليس بمعصوم عن الفساد وسفك الدماء، إلا من عصمه اللَّه تعالى منهم، واللَّه أعلم.