للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحو: ثقل، ويقال: ما بطأ بك، فيعدى بالباء، ويجوز أن يكون منقولا من بطؤ، نحو؟ ثقل من ثقل، فيراد ليبطئن غيره وليثبطنه عن الغزو، وكان هذا ديدن المنافق عبد اللَّه ابن أبىّ، وهو الذي ثبط الناس يوم أحد فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ من قتل أو هزيمة «١» فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ من فتح أو غنيمة لَيَقُولَنَّ وقرأ الحسن (ليقولن) بضم اللام إعادة للضمير إلى معنى (من) لأن قوله (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) في معنى الجماعة وقوله كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ اعتراض بين الفعل الذي هو (لَيَقُولَنَّ) وبين مفعوله وهو يا لَيْتَنِي والمعنى كأن لم تتقدم له معكم موادّة، لأن المنافقين كانوا يوادّون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر، وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن. والظاهر أنه تهكم. لأنهم كانوا أعدى عدوّ للمؤمنين وأشدهم حسداً لهم، فكيف يوصفون بالمودّة إلا على وجه العكس تهكما بحالهم. وقرئ: فأفوز بالرفع عطفاً على كنت معهم لينتظم الكون معهم، والفوز معنى التمني، فيكونا متمنيين جميعاً، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، بمعنى فأنا أفوز في ذلك الوقت

[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]

فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)

يَشْرُونَ بمعنى يشترون ويبيعون قال ابن مفرغ:

وَشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَنِى … مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ «٢»


(١) . قال محمود فيه: «المراد بالمصيبة القتل والهزيمة … الخ» قال أحمد: وفي هذه القراءة نكتة غريبة، وهي الاعادة إلى لفظ من بعد الاعادة إلى معناها، وهو مستغرب أنكر بعضهم وجوده في الكتاب العزيز لما يلزم من الإجمال بعد البيان، وهو خلاف قانون البلاغة، إذ الاعادة إلى لفظها ليس بمفصح عن معناها، بل تناوله للمعنى مجمل مبهم، فوقوعه بعد البيان عسر، ومنهم من أثبته وعد موضعين، وهذه الآية على هذه القراءة ثالث، وسيأتى بيان شاف إن شاء اللَّه تعالى
(٢) .
وشربت برداً ليتني … من بعد برد كنت هامه
يا هامة تدعو صدى … بين المشرق فاليمامه
لابن مفرغ. باع غلامه بردا عند انصرافه من سجستان إلى البصرة، فندم على ذلك ودعا على نفسه بالقتل. ويقال:
اشتراه إذا أخذه ودفع ثمنه. وشراه إذا دفعه وأخذ ثمنه. وكانت العرب تزعم أن عظام رأس القتيل تصير هامة، أى بومة تزقو وتصيح: أدركونى، أدركونى حتى يؤخذ بثأره. والصدى: ذكر البوم. والمشرق- كمعظم- واليمامة: موضعان بعينهما بينهما مفازة. فقوله «كنت هامه» كناية عن أن يكون قتيلا. ويا للتنبيه أو للنداء. والمنادى محذوف وهامة بيان أو بدل من هامة الأولى، وغايرتها بانضمام الصفة إليها وهي قوله «تدعو صدى» أى تصيح على ذكرها. وهذا من المبالغة في الاشارة واللطف في العبارة، حيث ضرب عن جانب المعنى المراد صفحا، حتى كأنه يتكلم في هامة حقيقية تزقو على ذكرها، بل أنها هامة تطير وتصيح مع الهامات في المفاوز، وبعد هذا فالكلام مجاز عن شدة تحسره وتحزنه وندمه على ما فعل.